توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيسنجر ومائة عام من العُطْلَة!

  مصر اليوم -

كيسنجر ومائة عام من العُطْلَة

بقلم - حسين شبكشي

ينسب لوزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر عندما سئل ذات يوم؛ كيف يمكن لك أن تصف حياتك، فأجاب بقوله: «إنها بمثابة عطلة طويلة». يحتفل ثعلب الدبلوماسية الأميركية العجوز هنري كيسنجر ببلوغه المائة عام بعد عمر طويل قضاه في مشاهدة أحداث تاريخية وصناعة البعض المثير للجدل منها. وانقسم الساسة والإعلام في تقييم هذه الشخصية المؤثرة والمركبة فمنهم من أقسم بأنه السياسي الأهم والأكثر تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين، ومنهم من يعتبره مجرم حرب تقتضي محاكمته والزج به خلف القضبان فوراً.

وبالرغم من محدودية الفترة التي خدم فيها الرجل بصفة رسمية في الولايات المتحدة؛ بداية كمستشار في مجلس الأمن القومي منذ عام 1969 في حقبة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، وبعد ذلك كوزير لخارجيته، ومن ثم لخلفه الرئيس جيرالد فورد حتى عام 1976، فإنه كان من أكبر المؤثرين وصانعي السياسات الخارجية الأميركية.

فيحسب له أنه صاحب النظرة الفاحصة الدقيقة التي تمكنت من «اختيار» الزعيم الصيني دينغ زياو بينغ، وهو الذي كان يحتل المركز الثالث في الترتيب بين قادة الصين وقتها بعد كل من ماو تسي تونغ وتشوان لاي. رأى كيسنجر في دينغ الشخصية الهادئة والطامحة في آن، وأدرك أنه أمام نمط مختلف من قادة الصين، ومن الممكن إنجاز مسار جديد معه يغير التاريخ، وكانت هذه أولى خطوات إخراج الصين من المدار السوفياتي وإدخالها في عالم السوق والرأسمالية. وهي نفس المنهجية التي اتبعها كيسنجر لاحقاً مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وساعدت في إخراج مصر من الحقبة السوفياتية تماماً.

وهناك فريق يمجد إنجازات هنري كيسنجر بشكل مبالغ فيه مكنه من أن يحتل مكانة مميزة وفريدة من نوعها في العالم السياسي بعد خروجه من منصبه الرسمي وانطلاق عمله الاستشاري، فبات يقدم المشورة لحكام البيت الأبيض وكبرى الشركات متعددة الجنسيات وحافظ على علاقات مميزة مع زعماء أوروبا وروسيا والصين، وأصبح أحد أغلى المحاضرين في العالم.

من أهم عشاق كيسنجر، الذي كال المديح له في كتابه الأخير، الدبلوماسي الأميركي مارتن إنديك الذي قال عنه في كتابه بعنوان «المتحكم في اللعبة»: «كيسنجر هو المعلم الأهم في تاريخ صناعة السلام أو عدم صناعته»، ولم تكن شهادة إنديك الوحيدة من نوعها بحق كيسنجر، الذي حاز جائزة نوبل للسلام عام 1973، ولكن شاركه في ذلك الصحافي الأميركي المخضرم والتر إيزاكسون، وهو المتخصص في كتابات السير الذاتية، وقال عن الرجل في كتابه المعنون بكيسنجر: «العالم كان سيفقد الكثير ولن يكون كما أصبح من دون هنري كيسنجر».

وفي المقابل، هناك من يرى هنري كيسنجر شرّاً بحتاً ومجرم حرب بامتياز يستحق أقصى العقوبة ويحمله مظالم ومجازر ودماء آلاف الأبرياء في تشيلي وكمبوديا ولاوس وفيتنام.

وقد قدم وجهة النظر هذه بشكل حماسي ومقنع الكاتب الأميركي كريستوفر هيتشنز في كتابه المهم «محاكمة هنري كيسنجر»، الذي قال إن حجم الجرائم التي نفذ من تحمل عقوبتها هنري كيسنجر لا يليق بأي ديمقراطية غربية، وطرح هيتشنز يذكرنا بما سبق أن قاله الصحافي الأميركي الشهير سيمون هيرش في كتابه الأكثر مبيعاً بعنوان «ثمن القوة... كيسنجر في البيت الأبيض»، يحكي فيه عن استغلال كيسنجر لضعف نيكسون وخوف فورد من بعده لتمرير سياسات وقرارات خطيرة ومثيرة للجدل.

وظف هنري كيسنجر قدراته ونفسه جيداً وأبقى نفسه في دائرة الضوء عبر حراك محسوب جداً ضمن دوائر مراكز صناعة القرار وعبر إصدارات من الكتب المتمثلة في تجربته الحياتية والمهنية وأخرى خاصة بمرئياته السياسية، وارتاح الرجل لفكرة أن تتم الإشارة إليه بحكيم الدبلوماسية الدولية، إلا أن ذلك لم يساعد في دفن أشباح الماضي السياسي المريب التي ظلت تلاحقه في كل مكان، وترجح أنه نفذ من عقاب مفروض على جرائم عظيمة.

ولعل هذا ما يفسر مقولة هنري كيسنجر في وصف حياته التي قال عنها إنها أشبه بعطلة طويلة، ولكني أجد نفسي حائراً في استحضار مقولات من الأدب العالمي لأختم بها هذه الكلمات، فهل أجد ضالتي عند همنغواي ورائعته «العجوز والبحر»، أم عند دوستوفيسكي وتحفته «الجريمة والعقاب»، أم عند ماركيز وإبداعه في «الجنرال في متاهته»؟ فاخترت أن أبقي الخاتمة محيرة تماماً مثل حياة هنري كيسنجر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيسنجر ومائة عام من العُطْلَة كيسنجر ومائة عام من العُطْلَة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon