توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا... شبح اللحظات الأخيرة

  مصر اليوم -

ليبيا شبح اللحظات الأخيرة

بقلم - حسين شبكشي

كانت الجلسة صاخبة، والأجواء تبحث عن نسيم، كان ليلاً حاراً بوسط القاهرة في ذلك المقهى الشهير، جمعتنا المصادفة بنخبة من الأدباء والشعراء السودانيين، بعضهم جاء في أعقاب حرب أبريل (نيسان)، وبعضهم كان مقيماً في مصر منذ سنوات، لا حديث يعلو فوق صوت الحرب السودانية.

الخوف على المستقبل، رافقنا طوال الجلسة، لم يكن أحد منا يملك يقين الاستشراف إلى ماذا ستفضي هذه الحرب.

تحدثنا طويلاً عن آفاق المشهد السوداني، لفَّ الصمت جلستنا للحظات، حتى قطعها أحدهم قائلاً: أخاف كل الخوف أن تمتد الحرب، وتدخل في دوامة الحروب الطويلة، مثلما الحال في ليبيا.

قلت له: بالفعل أنت محق، فالأزمة الليبية دخلت عامها الثاني عشر، ولا تزال تنتقل من مرحلة إلى أخرى، كأنها دوامة لا تنتهي، لكن إذا كنت تريد أن أحدثك عن الأوضاع الليبية، فدعني أتأمل في اجتماع لجنة «6 + 6» المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا، التي جرت في الفترة من 22 مايو (أيار) إلى 6 يونيو (حزيران) الحالي بمدينة بوزنيقة المغربية، لأجد نفسي متفائلاً بهذه المحاولات التوافقية، لاستكشاف مساحات جديدة تقود إلى إخراج ليبيا من حالة المراوحة، بين اللاسلم واللاحرب.

هذه المرة ربما لا تشبه المحاولات السابقة، فثمة مؤشرات تقول إنَّ هناك فرصة أكبر، ولمسنا ذلك في تصريحات وأحاديث رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، وأيضاً في تصريحات وأحاديث رئيس مجلس الدولة خالد المشري، بشأن أهمية التوافق على القوانين الانتخابية المنظمة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

هذا التوافق بين طرفي إعداد الاستحقاق الانتخابي، أحدث حراكاً كبيراً في الداخل والخارج، فقد وجد قبولاً واسعاً في الداخل الليبي، وترحيباً قوياً من دول الجوار، والمحيط العربي، والمجتمع الدولي.

قاطعني محدثي متسائلاً: ما ضمانات عدم تكرار الاختلاف في اللحظات الأخيرة؟

قلت له: سؤالك منطقي... الاختلافات في اللحظة الأخيرة واردة في العمل السياسي بنسبة كبيرة، وبالمناسبة ليست جديدة على خرائطنا العربية، منذ ما يسمى الربيع العربي، وأذكرك بأنه حتى لديكم في السودان كان الاتفاق الإطاري قاب قوسين أو أدنى من التوقيع، لكن هذا الاتفاق تمزق في فجر الخامس عشر من أبريل، ودخل السودان دوامة جديدة، وكذلك الحال في ليبيا، فلو استعدنا سنوات العقد الماضي فيها، فسنكتشف حالات نكوص سياسية عديدة.

ففي اللحظات الأخيرة لمبادرات واتفاقيات دولية ومحلية كادت تنجح، توقفت فجأة، وعادت إلى نقطة الصفر، جراء مستجدات واختلاف في وجهات النظر، وتغيير في الحسابات التي تفرضها ظروف اللحظة، وموازين القوى الداخلية، والضغوط الخارجية.

وفي كل مرة تزداد الخسائر، ويتَّسع الشقاق السياسي بين الأطراف الفاعلة على المسرح الليبي، وينتهي بنا المطاف إلى حلقة مفرغة، كأن هناك من يريد عدم خروج ليبيا من هذه الدوامة، فدعني أؤكد لك أن ليبيا دولة كبيرة، ولها أهميتها التاريخية والجغرافية، وغنية بمواردها الطبيعية والبشرية، فضلاً عن أنها على مر التاريخ محط أنظار سباق دولي وعالمي، وتزداد أهميتها الآن باعتبارها ركناً من أركان الطاقة في توقيت يشهد فيه العالم أزمة طاقة كبرى، نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية.

الآن، إذا نظرنا بعين وازنة لما يحدث في أفريقيا، خصوصاً التحديات التي خلقتها الحرب السودانية، فسنجد أن هناك ضرورة قصوى لعدم اتساع دائرة التأزيم، لا سيما أن الحرب السودانية مفتوحة، وتداعياتها ستطال دول الجوار، وسيكون لها تأثير عميق، اقتصادياً واجتماعياً، يصل إلى تهديد الأمن القومي العربي والأفريقي، ومن ثم فقد بات التوصل إلى حلول سريعة للأزمة الليبية أمراً حتمياً، وأعتقد أن الأطراف السياسية لديها إدراك كامل لهذه المخاوف والمخاطر، وبالتالي فإن التوافق على مخرجات اللجنة المشتركة (6 + 6)، يمكن البناء عليه للوصول إلى محطة الاستقرار التي طال انتظارها من كل أطياف الشعب الليبي.

لكن الوصول إلى هذه المحطة يتطلب عدة مسارات على كل الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية.

ففيما يتعلق بالوضع الداخلي، تحتاج ليبيا إلى استعادة الثقة المفقودة منذ عام 2011 بين جميع التيارات السياسية والاجتماعية، والإيمان الكامل بأهمية بناء المؤسسات الوطنية الليبية تحت راية واحدة، وإخراج المرتزقة، والجماعات الإرهابية، والقوات الأجنبية، من الأراضي الليبية، والتخلي عن لغة الجهوية، والمناطقية التي من شأنها تعميق الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن ضرورة السمو السياسي، وإعلاء المصلحة العليا للوطن فوق أي مصالح شخصية، أو حزبية، أو مناطقية، انطلاقاً من أن وجود الدولة القوية هو الحماية الحقيقية لكل مصالح الجميع.

أما على الصعيدين العربي والإقليمي، فليبيا تحتاج إلى دعم واضح وقاطع للأجندة الوطنية، من أجل عدم تعميق الانقسام والاستقطاب السياسي، وأرى أن الدول العربية تؤمن بضرورة استعادة الدولة الليبية لاستقرارها، وهويتها الوطنية، وتجلى ذلك في ترحيبها الكامل وغير المشروط بثمار لجنة «6 + 6».

وعلى الصعيد الدولي، فقد لاحظنا إدراكاً مزداداً من المجتمع الدولي بأهمية استقرار ليبيا للمعادلة الدولية التي باتت مهددة بنقص الطاقة، وكابوس الهجرة غير الشرعية، وتسلل الجماعات الإرهابية، وهنا يحتاج المجتمع الدولي إلى مساحة مشتركة للتعاون من أجل ليبيا بدلاً من الصراع عليها.

أخيراً أقول إن اجتماع مدينة بوزنيقة يمثل ضوءاً في آخر النفق، يجب البناء عليه، حتى لا يطاردنا شبح التعثر في اللحظات الأخيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا شبح اللحظات الأخيرة ليبيا شبح اللحظات الأخيرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon