بقلم - حسين شبكشي
حديث جديد قديم لا يتوقف ولا ينتهي عن السلام في منطقة الشرق الأوسط. مبادرات وآراء وأفكار قدمت للسلام. كثير منها قوبل بالرفض والتشكيك والتخوين والتكفير لأصحابها، ناهيك ممن دفعوا حياتهم ثمناً لاعتقادهم بأن السلام حلم ممكن، ونهايات الملك عبد الله الأول ملك الأردن، وأنور السادات وإسحاق رابين الدموية دليل على ذلك. وكذلك ما حصل بحق الحبيب بورقيبة من تشكيك وتخوين واغتيال معنوي لشخصيته، لأنه حاول أن ينظر بشكل عملي وواقعية لمشكلة عويصة وعميقة.
كلمة مهمة قالها أحد الحكماء، وهي أنك تعقد اتفاقيات السلام مع أعدائك وليس مع أصدقائك، وعليه، فهنا السؤال الصعب: هل سكان منطقة الشرق الأوسط «كلهم» مستعدون حقاً للسلام، وعلى استعداد للتعايش مع الآخر؟ سؤال عميق ومهم جداً.
في كتابه الشهير الصادر عام 1989 بعنوان «سلام ما بعده سلام» وضح مؤلفه الكاتب ديفيد فرومكين أن انهيار الإمبراطورية العثمانية وولادة شرق أوسط جديد، أطلقا حرباً عالمية جديدة لم تنتهِ إلى اليوم. أميركا كانت دائماً تسعى لإطلاق حل نهائي ما لمشكلة العرب والفلسطينيين بين قرارات الأمم المتحدة التي لم تنفذ من العرب تارة ومن إسرائيل تارات، ومبادرات رفضت من الفلسطينيين والعرب تارة ومن إسرائيل تارات. إسرائيل تشبه جنوب أفريقيا ما قبل مانديلا في عنصريتها، والمطلوب مواطنة فلسطينية كاملة، سواء تحت دولة واحدة أو تحت دولتين، وحق العودة لكل فلسطيني في الخارج سلبت أراضيه، تماماً كما يجب استعادة حقوق اليهود والعرب. الأديان لا علاقة لها بتجارة الأراضي واقتسام المناطق، وبالتالي تطبيق العدالة مطلوب أن يكون بالقانون الذي يسري على الكل، وليس بناء على نصوص دينية، كل يراها من وجهة نظره. أميركا عليها أن تكون مرآة لدستورها حينما تسعى لحل لهذه القضية المعقدة، وتعود للكلمات الافتتاحية لوثيقة الاستقلال الخاصة بها «كل الرجال خلقوا سواء»، وبالتالي لا يوجد مجال للتمييز بناء على عرق أو دين. ومن الممكن العودة إلى العهد القديم، (التوراة نفسها) في سفر التكوين الإصحاح الحادي والعشرين، الآية رقم 34: «وتغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أياماً كثيرة»، فالنص صريح، هناك فلسطينيون في هذه الأرض قبل اليهود ولا يمكن حرمانهم من حقوقهم.
السلام هو الخيار الأصعب ولكنه الاختيار الصحيح. هو طريق لمواجهة التطرف والاتجار بالقضايا والتضحية بالأبرياء والدجل باسم المقاومة. ولكن لتحقيق كل ذلك مطلوب أن يشعر الجميع أنه سلام حقيقي وعادل، ويحقق الكرامة والعدل والأمان بوصفها أساسيات في الحل المنشود. طريق صعب ولا يقدر عليه إلا القلة.
السلام بحاجة لقوة إقناع تدعمها العدالة، تؤيدها القوانين التي تؤمّن حلاً فيه أقصى حدود الحق والعدل مهما حاربه المستفيدون من بقاء الحال على ما هو عليه بلا نهاية. سلام يرضي بعدل، خير من شعارات وتجارة بقضية شريفة.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع