توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المؤثرات السياسية الجديدة!

  مصر اليوم -

المؤثرات السياسية الجديدة

بقلم - حسين شبكشي

عندما ردد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية الأولى عبارته المشهورة: «إنه الاقتصاد يا غبي»، لم يكن يعلم أن صلاحية تلك المقولة ستنتهي بعد ثلاثة عقود من الزمن. والسبب هو الكم المهول من التغييرات التي طرأت على المزاج السياسي وبدلته رأساً على عقب بشكل صادم ومدهش.

وهناك ما يؤكد ذلك الأمر بشكل واضح وجلي، أهمّه استطلاعات الرأي الأميركية الأخيرة التي تظهر هبوط حجم الرضا عن أداء الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن إلى أدنى مستوى تاريخي، وذلك بالرغم من الأداء الجيد جداً للاقتصاد الأميركي وتحقيقه معدلات نمو محترمة، واستمرار قوة الدولار، وتحقيق البورصة الأميركية معدلات نمو قياسية جعلتها نقطة جذب للأموال من حول العالم، وانخفاض نسب البطالة. وهي كلها مؤشرات في غاية الأهمية.

يضاف إلى ذلك قياس رحلة تطور الاقتصاد الأميركي حتى وصوله إلى ما هو عليه اليوم. فلو عدنا إلى عام 2008 لوجدنا أن حجم الاقتصاد الأميركي كان يعادل تماماً حجم اقتصاد المنطقة الأوروبية بأكملها، أما اليوم فإن الاقتصاد الأميركي أصبح حجمه يساوي ضعف حجم اقتصاد المنطقة الأوروبية.

بل إن الاقتصاد البريطاني بتاريخه الكبير ونفوذه الهائل يضيع وسط الاقتصاد الأميركي اليوم، فلو تم احتساب بريطانيا بأنها الولاية الحادية والخمسون، لكان اقتصادها الأفقر والأخير مقارنة بسائر الولايات الأخرى، بما في ذلك الولايات الأشد فقراً مثل ميسيسبي وآركانساس.

هذا هو الواقع وهذه هي الحقائق. ومع كل هذه الوقائع الاقتصادية الأكثر من جيدة، فإن ذلك لم يشفع لجو بايدن مع المواطن الأميركي. والسبب أن الاقتصاد لم يعد الموضوع الأول والأهم، ولكن بات ذلك من نصيب قضية أخرى؛ وهي الهوية.

والهوية هنا المقصود بها هو ذلك المعنى التفصيلي الذي تم تبنيه، والذي يشمل العناصر المتنوعة مثل العرق والدين والجنس والانتماء السياسي. وهذه بلا شك أهم عوامل الاستقطاب الحاد جداً الذي أصاب المجتمعات الغربية وقسمها ذات اليمين وذات الشمال، حتى أصبح بينهما برزخ لا يبغيان.

عندما كانت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على سياسات العالم واقتصاده، كان من الطبيعي أن يتم تقييم الأولويات من ناحية اقتصادية بحتة، ولكن اليوم ومع تغير الوضع الجيوسياسي حول ظهور قوى أخرى جديدة ومؤثرة مثل الصين والهند وروسيا، أصبحت الهوية قضية ملتهبة. أسهمت أيضاً في وضعها على رأس القضايا تغييرات مؤثرة لا يمكن إنكارها ولا التقليل من شأنها؛ أبرزها العولمة التي أدت إلى تقارب الثقافات وإزالة الحدود بينها وزيادة حجم التبادل التجاري أيضاً.

وساعد في هذا التحول الثورة التقنية الكبرى التي عرفها العالم وقتها، والتي نتج عنها التوسع الهائل لشبكة الإنترنت العنكبوتية والانتشار المهول للاتصالات المحمولة.

وبالتالي بات من الممكن جداً اعتبار «الهوية» ساحة المعركة الجديدة لقوى الاستقطاب السياسي حول العالم. وهذا الاستقطاب الشديد والحاد حول التنافس بين اليسار الليبرالي واليمين المحافظ إلى مستوى آخر من التعصب، جعل لهما أوصافاً جديدة مستحقة جعلت اليسار يوصف بالمنفلت وغير الأخلاقي، واليمين يوصف بالمغلق المتعصب العنصري. وهو استمرار في تحول هويات اليسار واليمين، ففي حقبة الحرب الأهلية الأميركية كان الجمهوري أبراهام لينكولن هو الذي حرر العبيد في مواجهة معارضة شديدة جداً من الديمقراطيين. وهذا لافت جداً ومن المهم أخذه في عين الاعتبار مع تطورات أحداث اليوم.

وهذا الشرخ القاري الحاصل في المجتمع الغربي أصبح هوة سحيقة لا يمكن ردمها ولا تجاوزها ببناء جسور الثقة المنشودة. وهو ما يعني حرفياً أن هواجس الحرب الأهلية التي يتغنى بها متطرفو كل طرف، باتت مسألة ممكنة أو على أقل تقدير مسألة زيادة العنف المسلح التي أصبحت مسألة يجب الاستعداد لها. وانعدام الثقة هو أول عوامل التشخيص المرضي للمجتمعات، كما وصفها الباحث الأميركي فرنسيس فوكوياما في كتابه الذي يحمل عنوان «الثقة»، والذي قال فيه إن انعدام الثقة في المجتمع هو أول مؤشرات سقوطه.

مع تطورات التقنية وكثرة الحديث عن التهديد الوجودي الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي وزيادة نفوذ قوى عالمية منافسة للغرب، أصبح القلق هو المسيطر على الذهنية الغربية، وعليه أصبحت قضايا مثل التحول الجندري والهجرة والإجهاض أهم من الاستثمار والنمو والبطالة. إنه عالم جديد ومقلق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤثرات السياسية الجديدة المؤثرات السياسية الجديدة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon