توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معركة التاريخ القادمة!

  مصر اليوم -

معركة التاريخ القادمة

بقلم: حسين شبكشي

صراع الهويات قديم وهو بعمر الوجود الإنساني على كوكب الأرض. ومع التغطية الإعلامية الكبيرة لموكب المومياوات الملكية المصرية الأسبوع الماضي، ظهرت العديد من الأصوات الإسرائيلية تحاول وضع «البصمة اليهودية» على تاريخ مصر القديم، معتمدة في ذلك الأمر على فهم ضيق ومتطرف للتوراة المعروفة باسم العهد القديم لدى المسيحيين أيضاً. وهي رواية غير مدعومة علمياً بأدلة المختبرات العلمية التي تعتمدها وسائل معرفية عرفت بعلوم التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا والأركيولوجيا، وبالتالي تفقد هذه المزاعم جدارتها ومصداقيتها إذا ما جرت مطابقتها مع المختبر العلمي للتاريخ.
في هذا السياق هناك كتابان لافتان من المهم الإشارة إليهما هنا؛ الأول كتاب «يهود مصر القديمة» للباحث المصري الدكتور شريف شعبان، وهو في هذا الكتاب لا ينكر الرواية التوراتية، ولكنه يعتبرها مجرد مصدر واحد من عدة مصادر تاريخية أخرى لا يمكن الإقلال من شأنها، وهو هنا لا يختلف عن بعض المؤرخين الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى مدى أبعد من ذلك بكثير، فكذبوا كل الرواية التاريخية في هذا الخصوص، وذلك بحسب رأيهم لعدم وجود أدلة أثرية على الأرض تدعم وتؤكد هذه الرواية. والكتاب يجيء للقارئ وهو أقرب ليكون بحثاً ثقافياً منه إلى بحث تاريخي، وفيه يطرح المؤلف أسئلة شديدة الذكاء على المشككين اليهود، الذين يصرون على المشاركة المهمة لليهود في بناء الأهرامات، بقوله إن هناك فارقاً زمنياً وتاريخياً كبيراً جداً بين حقبة بناء الأهرامات في مصر وفترة بداية وجود العبرانيين على أرضها، وبالتالي يطرح استفساره الوجيه عن سبب خلو مملكة إسرائيل التاريخية، التي يشير كتاب التوراة إلى تأسيسها بعد الخروج الكبير من مصر، من أي مبان هرمية على الإطلاق، وهذه ملاحظة مهمة لأن الأهرامات كانت سمة بنائية رافقتهم في جميع مواقع انتشارهم جغرافياً غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، وعليه فإن الأدلة التاريخية كما أثبتت عدم وجود أي أثر لهيكل سليمان على أرض إسرائيل التاريخية، فإن الأدلة نفسها أثبتت عدم وجود أي نوع من الأهرامات عليها.
وليس هذا بالأمر الجديد في الطرح البحثي عن التاريخ الأثري للرواية التاريخية التوراتية لليهود، فهناك العديد من الطروحات الإسرائيلية الجادة، تطرحه مجموعة من المؤرخين الإسرائيليين المنحازين بقوة صوب العلم وحججه، وهي الطروحات التي تدور حول سؤال جوهري ووجودي بالنسبة لهم وأهمها هو: «كيف يمكن تصديق رواية كتاب التوراة عن شتات شعب وفق السردية التوراتية طوال تلك السنوات في شبه جزيرة سيناء دون أن يبقى لهم أو أن يتركوا أثراً واحداً من أي نوع للاستدلال عليهم».
وهناك كتاب آخر صدر أيضاً منذ فترة قريبة للمؤلف التونسي عماد دبور بعنوان «اليهودية القديمة: تطور الأفكار والمفاهيم الدينية اليهودية وقراءاتها الحديثة والمعاصرة»، والذي تجاوزت عدد صفحاته الخمسمائة صفحة. ويختصر الكتاب وجهة النظر الأساسية التي يقدمها بمقولة إن البحث في المصادر اليهودية وتكوينها يحيلنا إلى دراسة التاريخ القديم، من قبيل القول بدراسة الحضارات الفرعونية والسومرية والبابلية وتأسيس قرطاج وديمقراطية أثينا وروما وتوسعاتها، هذه كلها وغيرها إمبراطوريات وحضارات وثقافات عايشتها اليهودية واحتكت بها وولدت فيها وأثرت وتأثرت بها، مختتما بجملة مهمة تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها وهي «أن اليهودية هي ابن التاريخ وليست أباه».
ولعل أهم من كتب عن الهويات وتعريفها في الزمن المعاصر كان ولا يزال الكاتب اللبناني الفرنسي الكبير أمين معلوف، الذي تطرق إلى هذا الموضوع البالغ الأهمية في كثير من كتبه وندواته ومحاضراته ومقابلاته، وله تعليق لافت في هذه المسألة وهو «اللهفة على وحدة الهوية لا تجيز لنا أن نطلق النار على التاريخ. إذا كانت المعارك العسكرية بين العرب وإسرائيل قد توقفت، فإن المعارك الثقافية والتاريخية لها حق السردية المعتمدة للرواية الرسمية، وفي الحالتين لن تكون لأي من الروايتين قيمة موضوعية حتى تكتسب المصداقية والجدارة من دون أن تمر بكشف المختبر العلمي الذي يثبت وجود السردية التاريخية بالأدلة على الأرض. فهذا اليوم الفرق بين الرواية التاريخية المعتمدة علمياً وأساطير الأولين. إثبات الرواية التاريخية بحاجة لعقلية وذهنية وتجهيزات مختلفة لأن أساسها هو احترام العلم وعدم إهانة عقل المتلقي».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة التاريخ القادمة معركة التاريخ القادمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon