بقلم - حسين شبكشي
هل الجغرافيا تتحكم في صناعة التاريخ؟ أم أن التاريخ يصنع الجغرافيا؟ سؤال محوري ومهم ولافت. في أوج عز الإمبراطورية الإسبانية قامت بتمويل الرحالة والمستكشف البحري كريستوفر كولومبوس، الذي كان يروّج أمام التاج الإسباني بأنه «سيكتشف» طريقاً عكسية جديدة للوصول إلى قلب الاقتصاد العالمي وقتها الهند، ولكن هذه المغامرة قادته للوصول إلى أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية، ما اضطره إلى تسمية سكانها الأصليين بالهنود الحمر. وانتفضت البرتغال غيرة، وهي التي كانت لديها إمبراطورية تنافس الإمبراطورية الإسبانية، وقامت بتمويل حملة البحار الشهير فاسكو دي غاما، الذي وصل إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح بشكل جديد بعد رحلة كولومبوس بخمس سنوات.
اليوم هناك تاريخ جديد تصنعه الجغرافيا. منطقة جغرافية جديدة تتشكل سياسياً بعوامل دفع اقتصادية بحتة، منطقة يطلق عليها اسم: يورو آسيا. وهي منطقة تشمل مناطق آسيوية وأوروبية. في العهد الاستعماري السابق كانت أوروبا تنظر بدونية للمنطقة الآسيوية، وتعتبر سكانها متخلفين وجهلة وغير قابلين للتغيير، وعلى العكس، كانت أوروبا نفسها رائدة في الفكر الحر والحقوق والإبداع، ما أعطاها الحق والتبرير لنفسها أن تستعمر دول آسيا وغيرها من مناطق العالم.
لفترة طويلة، كان تطور آسيا مرتبطاً بتقليدها الغرب في كل شيء، سواء من باب الإعجاب أو العجز أو الانتقام أو كل هذه الأسباب مجتمعة. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت التحولات الاقتصادية التي شهدتها القارة الآسيوية مرتبطة باحتياجات أسواق الغرب، وبالتالي نمو الطلب فيها. ولكن اليوم شيء ما يحصل، شيء مهم ومختلف جداً. التحديث الذي جاءت به أوروبا ذات يوم إلى آسيا، دارت الأيام لتقوم القارة العجوز باستيراده من آسيا.
المنطقة «اليورو آسيوية» مليئة بالاتصالات الحديثة والألياف البصرية بآلاف الأميال، والأنابيب والطرق والأنفاق والجسور والمطارات والقطارات السريعة والموانئ والمناطق الصناعية التي تربط جميعها الشرق بالغرب. ويقود هذا الحراك الجديد الصين وروسيا والهند ودول أخرى. كل المباني والمدن الجديدة المبهرة في منطقة «يورو آسيا» التي تنطلق من الصحاري والبراري وكل هذه المطارات والموانئ على ضفاف المحيطين الهندي والهادي، يجب ألا يكون مفاجئاً لكل من درس الرأسمالية والتنمية، ولكن محللي تاريخ الحضارات الغربية كانوا يتوقعون أن تتبنى هذه الدول الجديدة القيم والحقوق والحريات الغربية تماماً مثل تبنيها الرأسمالية، وهذا لم يحدث.
ويقود هذا الحراك الآن الصين بسبب نفوذها الاقتصادي المتزايد، وأطلقت هي تحديداً مشروعها العظيم حجماً، المعروف باسم «الحزام الواحد الطريق الواحدة» الذي يتبني فكرة قديمة في الحكمة الصينية مفادها واسمها «تيانكسيا» وهي تترجم إلى «كل شيء تحت السماء» بالمعنى الشمولي للكلمة، ووضّح ذلك الأمر أكثر الرئيس الصيني شي جينبينغ حينما قال: «نسعى إلى مجتمع واحد لمستقبل مشترك للإنسانية». وكان الرد الأميركي على هذا الحراك محدوداً على لسان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي أطلق مبادرة «طريق الحرير الجديدة» ببرامج وضع لها ميزانية بمبلغ هزيل جداً، وهو 112 مليون دولار، ما يعني أن الموضوع لم «يختمر» كاملاً عند الأميركان حتى الآن لرد حقيقي.
في كتابه الجديد والقيّم بعنوان «طريق الحرير الجديدة» يفند المؤلف بيتر فرانكوبان، ويوضح أن مركز الثقل العالمي الجديد انتقلت بوصلته شرقاً. «يورو آسيا» تذكروا هذا الاسم جيداً، إنها منطقة النفوذ الجديدة للسنوات المقبلة، ومنطقة الصراعات الجديدة والمنافسات القاتلة.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع