توقيت القاهرة المحلي 00:40:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من حروب النفط إلى حروب الغاز!

  مصر اليوم -

من حروب النفط إلى حروب الغاز

بقلم: حسين شبكشي

إذا كان القرن العشرون معروفاً بأنه قرن «حروب النفط»، فإن القرن الواحد والعشرين مرشح وبقوة أن يكون قرن «حروب الغاز» بامتياز.
مع الضغط العالمي المتزايد على استخدام الطاقة البديلة النظيفة والمستدامة بعيداً عن استخدام الطاقات الباعثة للغازات القذرة، ومع اتهام الطاقة النفطية من قبل منظمات حماية البيئة بأنها خلف كارثة أزمة المناخ العالمية، يصعد نجم الغاز كالبديل الطبيعي للنفط (في ظل استمرار ارتفاع تكلفة الطاقة الشمسية والهوائية ومخاطر الطاقة النووية). ومع وجود لاعبين أساسيين ومؤثرين في سوق الغاز، مثل روسيا وإيران وقطر، إلا أن هناك زيادة واضحة في عدد المنتجين لهذه السلعة المهمة؛ مما سيؤثر على حصص اللاعبين الأساسيين، ويغير بالتالي من موازين التأثير والقوى.
ولكن ليس كل الغاز سواء، فالغاز الطبيعي المسال بشكل عام يعتبر باهظ التكلفة بسبب المجهود المضني المطلوب لتحويله إلى سائل ونقله المكلف مقارنة مع الغاز المنقول في داخل خطوط الأنابيب المبنية والمجهزة. وأولى معارك الغاز الصريحة كانت الصراع بين قطر وتركيا وروسيا وإيران على رقعة الغاز وجغرافية سوريا.
نظام الانقلاب في قطر يدرك أنه من دون خط أنابيب أرضي يحمل إنتاجه من الغاز إلى أسواقه مباشرة؛ الأمر الذي يفسر محاولاته التي فضحت الآن والسعي لتغيير نظام الحكم في السعودية لتحقيق حلمه بمد الأنابيب إلى أوروبا مروراً بالعراق وسوريا وتركيا وصولاً للقارة الأوروبية. وهذا كان أحد أهم أسباب التدخل الروسي في سوريا لحماية مصالحها الاقتصادية، وتحديداً حصصها في الغاز المورد لأوروبا، البالغ في أدنى الحالات 40 في المائة، وفي أحسنها 70 في المائة، وقد تطرق إلى هذا الموضوع بشكل معمق الكاتب اللبناني الكندي كمال ديب في كتابه المهم «لعنة قابيل: حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سوريا ولبنان».
اليوم هناك مشهد آخر يتشكل على ضفاف المتوسط وعلى الأراضي الليبية منها تحديداً؛ مواجهة بين أميركا وروسيا، ويتم فيها استخدام الرئيس التركي إردوغان المهووس باستعادة المجد العثماني ودعم مشروع «الإخوان المسلمين» السياسي المتطرف، فوقّع مع حكومة الوفاق الليبية اتفاقاً لاستغلال الغاز في البحر المتوسط.
الحلف الأطلسي لن يسمح بموضع قدم استراتيجي جديد لروسيا بعد تمكنها من سوريا، وروسيا تدرك أن حصتها من السوق الأوروبية في توريد الغاز باتت مهددة جدياً بعد الاكتشافات العملاقة لحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط لمصلحة قبرص واليونان ومصر وإسرائيل ولبنان، وهناك كتاب جيد للدبلوماسي المصري جمال طه بعنوان «أسرار حرب الغاز: لقاء المصالح وصدام التنافسات» يفند فيه بإسهاب لافت الخلفيات القانونية والأهمية الاستراتيجية للتطورات الأخيرة في حوض البحر المتوسط، وأبعادها المستقبلية على استقرار المنطقة.
الولايات المتحدة طموحها في عالم الطاقة متزايد، بل تطمح بأن تكون لاعباً مؤثراً في قطاع الغاز، كما أصبحت في قطاع النفط من قبل، وخصوصاً أنها منذ أربع سنوات أصبحت مصدراً صافياً للغاز الطبيعي، وذلك لأول مرة منذ 60 عاماً، ومع تطور التقنية وقوة الابتكار تمكنت الولايات المتحدة من أن تكون لاعباً مؤثراً في سوق الغاز وبدأت في استمالة عدد لا بأس به من حلفائها لشراء الغاز الأميركي، وقامت لأجل ذلك الأمر الاستراتيجي المهم بتطوير جذري وكبير في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي المسال ومنشآت الغاز الطبيعي المسال للتصدير؛ مما أدى إلى تنافسية الغاز الأميركي وزيادة حصة سوقه.
روسيا من جهة أخرى تعي تماماً أنها هي المستهدفة، والسوق الأوروبية تبقى الغاية الأهم بالنسبة لأميركا؛ ولذلك قامت بتعديل هائل في عقودها مع عملائها في أوروبا لتكون طويلة الأجل وبشروط مغرية، إلا أن الروس يدركون تماماً أن هناك خطراً وجودياً بالنسبة لصناعة الغاز ومنافسة مدمرة جديدة. ولذلك تسعى روسيا إلى تسريع خيارات الإمداد لمنتجات غازها إلى أوروبا عن طريق خط أنابيب عملاق جديد موجه إلى ألمانيا عملاق الاقتصاد الأوروبي باسم خط الأنابيب «نوردستريم2» بسعة 55 مليار متر مكعب في السنة سينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عن طريق بحر البلطيق، وتخشى أميركا من أن يؤدي هذا التعمق في قلب أوروبا إلى المزيد من النفوذ على السياسة الخارجية الأوروبية، وهذا يفسر غضب إدارة الرئيس دونالد ترمب الواضح تجاه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وسحبها بعض القوات الأميركية من القاعدة العسكرية بألمانيا.
بؤر النقاط الساخنة لصناعة الغاز تبقى مهددة من الخليج العربي وآسيا الوسطى وغينيا بيساو وروسيا وأميركا، ولكن المؤكد أننا دخلنا مرحلة حروب الغاز.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من حروب النفط إلى حروب الغاز من حروب النفط إلى حروب الغاز



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon