توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما لا نتشابه

  مصر اليوم -

عندما لا نتشابه

بقلم: حسين شبكشي

لفت نظري تعليق متشابه في كل من العراق ولبنان صادر عن فريق سياسي في البلدين، في تصريح لهم بخصوص المواقف السياسية التي عبر عنها خصومهم، جاء فيه: «إنهم لا يشبهوننا». وعاد بي هذا التصريح الملتهب إلى الجدل الذي لا ينتهي في الدول المختلفة من العالم العربي، والمتعلق بأزمة وصراع الهويات، وهي المشكلة التي لا تزال قائمة وتأخذ أشكالاً مختلفة بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الخاصة بكل بلد وأوضاعه. فهذه المنطقة من العالم لا تزال تتصارع على تعريف نفسها للعالم بحسب الاسم الذي تعتمده لنفسها، وبالتالي تعرف نفسها للعالم بناء على ذلك... فهل هي منطقة الشرق الأوسط ذات البعد العربي وغير العربي في آن؛ فهي تشمل بالإضافة إلى الدول العربية دولاً أخرى غير عربية مثل تركيا وإسرائيل وقبرص، بل قد تضم حتى أفغانستان والحبشة ومالطا في بعض الأحيان؟ وقد تطور هذا الاسم منذ سنوات ليصبح «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، فتصبح هذه التسمية أوسع وأشمل جغرافياً مع تركيز لا يمكن إغفاله على البعد الاقتصادي ومنافعه ومزاياه.
جاءت هذه المسميات لتحل بالتدريج بديلاً للمسمى الذي عرفت به المنطقة وهو «الوطن العربي» أو «العالم العربي» الذي كان يركز على إبراز منطقة متجانسة فكرياً واجتماعياً وثقافياً... شعوب عربية الثقافة حتى لو تعددت أعراقها وأصولها؛ لأن الحضارة والثقافة العربية بمفهومها الإنساني هي ثقافة حاضنة وشاملة وجامعة كما أثبت لنا التاريخ بأشكال مختلفة ومتنوعة، وبالتالي يكون من الجهل والتطرف حصرها في عنصر واحد لأنها اتسعت ولا تزال تتسع للكردي والأفريقي والآسيوي والأرمني والأمازيغي... ولكثير غيرهم. مواطنون اندمجوا بالكامل في أوطانهم العربية، وكانوا منتجين وناجحين ومميزين في مجالات عديدة ومختلفة.
التضييق العنيف بالعنصرية والتطرف والتمييز ضد هذا النوع من التعريف بهوية العالم العربي هو الذي تطور ليصبح الصوت الأعلى فيه الصوت الطائفي والمذهبي والمناطقي الضيق؛ لأنه يعتمد على تعريفات شديدة المحدودية لمعنى ومفهوم الانتماء لمنطقة كانت تعرف يوماً باسم «العالم العربي». وما ينطبق على المعنى العريض لمفهوم الانتماء في «العالم العربي» ينطبق بصورة مصغرة على فكرة الانتماء لمعظم الأوطان العربية.
ما الذي يجعل أبناء الوطن الواحد «يتشابهون» بحسب الكلمة الواردة في أول المقال بناء على التعليق السياسي المذكور؟ في اعتقاد أحد القانونيين المرموقين الذين استضافتهم قناة إخبارية معروفة، أن السبب الحقيقي في الإحساس الحقيقي بالتشابه المقصود بين المواطنين وبعضهم بعضاً، هو الطمأنينة تجاه فكرة المواطنة السوية، والثقة بتكافؤ الفرص، واعتمادية ومصداقية المنظومة القضائية، وقتها يكون الإحساس الراسخ بأن الكل يشبه بعضه بعضاً تحت هذا السقف. وهناك أمثلة قديمة على سلاسة وانسيابية الإرث التاريخي للهويات، ولعل المثل الصارخ والمهم لذلك هو حضارة البحر المتوسط الذي كان لفترة غير بسيطة مهد الحضارات العالمية منذ فجر التاريخ وصولاً لحقبة القرن التاسع العشر، فعلى سواحله جرى احتضان ثقافات بلاد النهرين وبلاد الشام ومصر التاريخية، مع عدم إغفال الجوانب الإغريقية والرومانية، وعرفت أيضاً الظهور المبكر للحضور البابلي والكنعاني والآشوري والفرعوني والفينيقي والسومري، وانعكس هذا المناخ الثقافي العميق في منطقة جغرافية واحدة على العلاقات بين شعوبها ودولها في بدايات القرن العشرين، لتشهد نجاحات سياسية واقتصادية وثقافية وفنية واجتماعية بشكل لا يمكن إنكاره ولا إغفاله أبداً.
هناك دول وشعوب في حالة سلام عميق وعظيم مع ذاتها لقناعتها بأن تعريف الهوية والانتماء فيها هو تعريف شمولي وواسع؛ بعيداً تماماً عن التعريفات المحدودة والضيقة المسمومة. لم يكن تعليق المسؤول السياسي عن الفريق الخصم بقوله «إنهم لا يشبهوننا» مستغرباً مطلقاً بالقياس لحالة التقسيم والتشرذم الديني والمذهبي والطائفي والعرقي والمناطقي الموجودة في كل من العراق ولبنان، ففي هذا المناخ الملغم والمسموم يصبح من الطبيعي ألا يشبه أحد الآخر. ولعل أهم من كتب في الأمر بإسهاب وبعمق بليغ وعن تجربة شخصية ثرية، هو الكاتب الكبير اللبناني االاسملأصل والفرنسي الجنسية أمين معلوف الذي أجاب حينما سئل عن الهوية فقال: «الهوية لا تتجزأ أبداً ولا تتوزع أنصافاً أو أثلاثاً أو مناطق منفصلة»، وهو يذكرنا بمقولة شهيرة للفيلسوف الفرنسي الراحل روجيه غارودي قال فيها: «إن المصدر الأساسي لكل أصولية اليوم هو قمع واضطهاد هوية مُتحدها ثقافتها أو دينها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما لا نتشابه عندما لا نتشابه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon