توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مأساة ريان وتغطيتها إعلامياً!

  مصر اليوم -

مأساة ريان وتغطيتها إعلامياً

بقلم: حسين شبكشي

تابعت جماهير العالم العربي في الأيام القليلة الماضية بخليط من الشغف والاهتمام والقلق أحداث سقوط الطفل المغربي ريان في إحدى الآبار المهجورة، ومحاولات السلطات المغربية المستميتة لإنقاذه بشتى الوسائل والطرق التي أسفرت عن نهاية حزينة ودرامية نتج عنها وفاة الطفل ريان بصورة مؤلمة جداً. وقد كان لافتاً ومثيراً للاهتمام تلك التغطية الإعلامية لهذا الحدث الإنساني، وتسابق القنوات الإخبارية العربية على التفاعل مع كل لحظة فيه، وتصدره للمشهد الإعلامي بامتياز وتغلبه على أحداث سياسية واقتصادية وفنية أخرى كانت تحتل العناوين والصفحات الرئيسية قبل ذلك.
وخلال هذا السياق والسباق الإعلامي المحموم ما بين وسائل الإعلام التقليدية من صحافة مكتوبة وقنوات إخبارية مرئية وإذاعية مسموعة ومواقع إلكترونية أمام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاته المعتمدة والمعروفة، كان هناك سباق وحرص على الإثارة وإبقاء المستمع والمشاهد والقارئ أطول فترة ممكنة كمتابع للقصة، وليس بالضرورة على مصداقية الخبر وتحري تفاصيله بمهنية واحترافية، وهي مسألة غابت عن الكثير من العاملين على هذه القصة المأساة ما أفقدها المصداقية عقب ثالث يوم من الحادثة نظراً لما كان عليه في التغطية من مبالغة ثبت مع الوقت عدم دقة تفاصيلها بل تضليل المتلقي في الكثير من الأحيان.
لقد كانت هناك فرصة ذهبية استثنائية وفريدة من نوعها أمام المحطات الفضائية الإخبارية العربية في أن «تمتلك القصة» وتنقلها بمهنية وحذر واحترافية للعالم الذي أبدت بعض وسائل إعلامه الدولية الاهتمام المتوقع بالقصة، ولكن مع الأسف الشديد عندما لوحظ الاهتمام بالإثارة على حساب المصداقية والدقة لم تعد القصة مملوكة من القنوات العربية الإخبارية الفضائية وذهبت أدراج الرياح إلى مصادر أخرى، وهو الذي سمح بسيطرة المشهد الإلكتروني والتطبيقات الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي وبأن يكون لها الصوت الأعلى.
وفي المشهد الإلكتروني تتكون الفوضى غير الخلاقة التي تحول الشائعة إلى خبر، والخبر إلى سراب، والحقيقة تبقى هي الضحية دائماً، وهذا المشهد كما صوره أحد خبراء الإعلام الذين تمت استضافتهم في الأيام الأخيرة على أحد البرامج بقوله إن ما يحدث الآن في الساحة الإعلامية الإلكترونية هو أشبه بمتابعة ما يكتب على جدران الأماكن العامة التي نجد فيها الحكم والأدعية والآيات وقصائد الحب والغزل والموعظة.
لعل التحذير الهائل الذي قدمه أميرتو إيكو عن وسائل التواصل الاجتماعي فيه الكثير من الحكمة حينما قال: «إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من السذج، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسببوا في أي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن، فإن لهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل نوبل، إنه غزو البلهاء»!
لم يكن ريان بوفاته وحسرة الناس عليه هو الخسارة الوحيدة في هذه الحادثة الأليمة، ولكننا ننعى أيضاً المهنية والاحترافية التي تمت تغطية هذه الحادثة بها من الناحية الإعلامية، ولقد كانت صادمة بقدر صدمتنا بوفاة الطفل المغربي ريان.
هناك كتاب مهم ولافت بعنوان «الصحافة والحقيقة في عصر الإعلام الاجتماعي» بقلم الكاتب جيمس كاتس والكاتبة كايت ميس، وفيه يستعرضان بشكل دقيق ومهم ولافت التحول الخطير الذي حدث للصحافة التقليدية الرصينة التي مالت مهنياً لتساير الإعلام الاجتماعي الجديد على قنوات التواصل وتطبيقاته المعتمدة؛ إذ بدلاً من أن تسهم في رفع مهنية العاملين والمشغلين لهذه التطبيقات إلى مستوى الصحافة التقليدية، انحازت وانجرت لهم وكان ذلك على حساب الحقيقة المهنية والأداء الحرفي. وعلى ما يبدو أن هذا المشهد الذي تابعه العالم والخاص بالطفل المغربي ريان والقصة الإنسانية، كانت له أبعاد مهنية في الجانب الإعلامي مخيفة ومرعبة تظهر نقصاً في الأداء وقلة في الدقة المهنية وضعفاً في الاحترافية عند الكثيرين من المتابعين الإعلاميين لهذه المأساة الإنسانية ما جعل من القصة التي كان من الممكن أن تكون قصة إنسانية وإعلامية فريدة من نوعها قصة تحولت إلى قصة إثارة والابتعاد عن الأسئلة المهنية الاحترافية التي يجب أن يقوم عليها كل إعلامي، وهي الاستقصاء عن الحقيقة التي بقيت أسئلة كثيرة قائمة بلا إجابة حتى هذه اللحظة، ما يعني أن الإعلام لم يؤدِّ دوره كاملاً في تغطية هذه الحادثة الفريدة وضياع فرصة ذهبية للتميز.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأساة ريان وتغطيتها إعلامياً مأساة ريان وتغطيتها إعلامياً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon