بقلم - حسين شبكشي
منذ سنوات طويلة كان الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين يعيش في منفاه بجدة، وكان يقيم في فندق «الرمال» الذي كان وقتها ملتقى رجال الأعمال، في فترة ما بعد المغرب، وفي أحد الأيام التقى عيدي أمين بوالدي بالصدفة، واتفق معه على زيارة والدي في مكتبه. جاء الرجل للتعارف وعرض على الوالد فكرة غريبة ومضحكة؛ طلب عيدي أمين من الوالد مبلغ 150 ألف دولار، وقال له إن هذا المبلغ كاف لأن يقوم بانقلاب ويعود للحكم، ومن الممكن أن يساعد في رد الجميل لاحقاً. ذهل الوالد من حديث الرجل، وودعه بلا أي تعليق.
مرت الأيام وحكى لي هذه القصة وضحكنا عليها طويلاً. وجاءت رحلة عمل للوالد إلى أوغندا لتوريد بعض الشاحنات لإدارة الدفاع المدني هناك كسيارات إطفاء، وخلال زيارته زار كمبالا العاصمة وبعض الضواحي خارجها، وقابله الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، وعاد إلى السعودية. وحين عودته اجتمعت معه وقال لي بابتسامة ساخرة: «هل تذكر عرض عيدي أمين لي»؟ قلت له: «نعم أذكره جيداً»، قال لي: «الرجل كان ينوي النصب علينا في مائة ألف دولار، لأن الموضوع كان ممكناً أن ينتهي بخمسين ألف دولار»! ضحكنا، وبدأ في سرد أمثلة مختلفة للوضع السيئ وقتها، والمنتجات الزراعية التي تتساقط من الأشجار وتبقى على الأرض حتى تفسد لأن شبكة الطرق غير موجودة لتوصيل المنتجات للأسواق المعنية... هذا على سبيل المثال.
أوغندا كانت مجرد مثال لوضع أفريقيا، ومن تجربة عيدي أمين «المجنونة» في أوغندا تبين أنه برعونة غير مسبوقة بسبب القرارات غير الحكيمة التي كان يأخذها، ومن أسوئها طرده الهنود الذين كانوا يعملون في الزراعة والتجارة والصناعة ويفتحون الأسواق لمنتجات أوغندا في العالم ويوظفون الأوغنديين، وحصل بعدها تأميم كامل لممتلكاتهم، سرعان ما أغلقت لعدم قدرة الذين تسلموها على إدارتها. هذا الوضع كان قديماً.
أفريقيا اليوم تتغير وبقوة. أصبحت القارة السوداء الهدف الاستثماري الأهم للصين ودول أخرى مثل اليابان والهند، وتسعى الصين إلى هدفها بأن تكون «الممول» الأول لأفريقيا الجديدة؛ إذ استضافت مؤتمراً هائلاً مؤخراً عن العلاقات بينها وبين الدول الأفريقية، حضره رؤساء معظم الدول الأفريقية.
الصين كانت لديها خطة «فريدة» من نوعها للاستثمار في القارة السمراء، وهي أنه خلال عام 2010 يتم توطين 10 ملايين صيني في القارة، وهذا ما تم وبنجاح، ومن نتائجه الاعتماد اليوم على السلع والخدمات، بل إن هناك دولاً مثل إثيوبيا والسودان وزيمبابوي تعتمد بالمطلق من الإبرة إلى الصاروخ على المنتجات الصينية بتدريبها وتمويلها بشكل مذهل. الصين استغلت بذكاء وجدوى الانسحاب «الاستعماري» لدول مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وإيطاليا من مستعمراتها السابقة في القارة، وكذلك الانشغال «السياسي» للولايات المتحدة عن القارة تماماً، فاستطاعت أن تملأ الفراغ بجدارة، بل وزادت من الدعم للقارة بأن أسست فيها أول قاعدة عسكرية؛ وتحديداً في جيبوتي، مبررة ذلك بأنه جزء من أمنها الوطني الذي يستوجب تأمين الخط الملاحي التجاري.
هناك دول مهمة بدأت تشكل قوى مختلفة في أفريقيا على الصعيد الاقتصادي؛ دول مثل جنوب أفريقيا، ونيجيريا، ومصر، والمغرب، وغانا، وإثيوبيا، وكينيا... كلها باتت فيها نسب نمو اقتصادي مهمة وتحقق جذباً استثمارياً أجنبياً لافتاً في قطاعات مختلفة فيها. أفريقيا اليوم نقطة جذب استثنائية، وهناك كثير من المصانع العالمية التي فتحت فيها مصانع حديثة لمنتجاتها مثل «سامسونغ» و«إل جي» و«بي إم دبليو» و«مرسيدس» و«رينو»... وغيرها من الأسماء الكبرى. هناك دعم مالي صيني وأوروبي لتمويل المشروعات الكبرى للكهرباء والمياه والنقل والطيران والسكك الحديدية.
عربياً؛ لا تزال فرصة أفريقيا لا تؤخذ بالجدية الكافية نظراً لنظرة دونية تقليدية، ولا ينافس الصين اليوم على كعكة أفريقيا الاستثمارية إلا اليابان التي رصدت 150 مليار دولار للاستثمار فيها، وهناك جهود استثمارية لافتة من الهند وكوريا الجنوبية.
الصين أدركت سحر أفريقيا المالي وأخرجت الرجل الأبيض بطريقتها. ونجاح الصين في أفريقيا سيفتح لها أسواقاً مهولة تضيف لقوتها وتسهل وصولها للمرتبة الأولى بوصفها قوة اقتصادية خلال سنوات قريبة جداً.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع