توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الزلزال والطبقات!

  مصر اليوم -

الزلزال والطبقات

بقلم: حسين شبكشي

لا يزال الموضوع الإخباري الأول هو الزلزال المرعب الذي أصاب كلاً من تركيا وسوريا، واستشعر برداته سكان فلسطين والأردن والعراق ولبنان وقبرص واليونان ومصر، وخلّف حتى كتابة هذه السطور أكثر من 40 ألف وفاة، وأعداداً غير محصورة من المصابين والمفقودين والمشردين من دون إغفال الحجم الكبير للأضرار في المباني والبُنى التحتية، وسيكلف ذلك المليارات من الدولارات.

ويُفسر خبراء الجيولوجيا وعلم طبقات الأرض أن سبب هذا الزلزال، الذي بلغت قوته . على مقياس ريختر الشهير لقياس الزلازل، مما يجعله أحد أعنف الزلازل في التاريخ المعروف، هو تحرك عنيف في طبقات الأرض على عُمق عشرة كيلومترات في منطقة جغرافية موقعها مدينة غازي عنتاب القريبة من الحدود مع سوريا.
ولكن ما كشفه الزلزال هو أن الطبقات الموجودة لا تنحصر في تلك الموجودة في باطن الأرض. فأول ما يبرز هو وجود الفارق الطبقي بين تركيا وسوريا، تركيا دولة حديثة وسوريا بقيت متجمدة في غياهب الزمن، وكأن عقارب الساعات فيها توقفت عند حقبة الخمسينات الميلادية من القرن الميلادي الماضي. وتركيا دولة متواصلة مع المنظومة الدولية وسوريا دولة معزولة تماماً عنها.
وهناك تحليل نفسي اجتماعي سمعته من شخصية سورية بسيطة من مدينة حلب، التي أصابها كثير من الضرر والأذى بسبب الزلزال المدمر الأخير، يضاف لما قد سبق وأن أصابها جراء التدمير الممنهج بالبراميل المتفجرة والتهجير الممنهج، وإعادة الهندسة الاجتماعية بتركيبة سكانية من خارج العمق الاجتماعي التاريخي لهذه المدينة العريقة، يقول لي في تحليله إن الأرض كانت بحاجة ماسة لإعادة التوازن لنفسها. قلت: لم أفهم، أرجو التكرم بالتوضيح. فقال لي: وجود ناس يسكنون في خيام ممزقة يعيشون بجوار ناس يبيتون في قصور لا يمكن أن يكون أمراً سوياً، وكذلك الأمر بالنسبة لوجود ناس تُقلّب حاويات نفايات القمامة لتأكل ما تجده صالحاً للأكل، بجوار ناس تأكل من الفنادق والمطاعم الفاخرة لا يمكن أن يكون أمراً سوياً، ووجود ناس تصل المساعدات بمختلف أشكالها بأسمائهم، بجوار ناس تصل المساعدات لهم فيقدمون على بيعها والاتجار بها لا يمكن أن يكون أمراً سوياً، ناس يعيشون تحت مرمى النيران والقصف، بجوار ناس تستعرض أسلحتها وتطلق الرصاص إلى السماء لا يمكن أن يكون أمراً سوياً، وعّاظ يعيشون حياة البذخ، بجوار ناس ينادونهم بأن عليهم الصبر والتبرع لا يمكن أن يكون أمراً سوياً، طبقات الأرض تئن وتتألم، لأنها لم تعد قادرة على تحمل الظلم والقهر والذل.
الكوارث الطبيعية مثل الزلازل الكبرى تتسبب في أضرار بشرية ومادية ونفسية هائلة قد يصعب تحديدها أو حصرها بشكل دقيق، ولكنها في نفس الوقت تكشف وتفضح الانقلابات الاجتماعية الهائلة التي تسبب فيها الخلل الاقتصادي، وغياب العدالة، سواء أكان ذلك بقصد أو غير قصد تبقى النتيجة كارثية في كل الأحوال.
وكشف هذا الزلزال أيضاً عن الصراع الكبير المتواصل بين العلم والجهل، والإيمان والضلال، والنور والظلام، وكيف تحوّل ناس يفسرون ما حصل بأنه جرّاء الذنوب والعاصي والخطايا، متناسين أو متجاهلين الأسباب العلمية الجيولوجية الدقيقة لما حصل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، ولكنه تطور ليبدأ في تقسيم الضحايا بمفهوم: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
هناك وسائل لقياس زلزال تركيا وسوريا، وهناك وسائل أخرى لتناول «توابع» هذا الزلزال المدمر من نواحٍ مختلفة؛ منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهذه التوابع وهي الأخطر ستستمر وتتفاقم ما دامت استمرت الفجوة الهائلة بين الطبقات، وهذه الفجوة هي التي تحدث الزلازل وتبعاتها بشتى أشكالها، والمشهد التركي السوري بعد الزلزال لهو أكبر وأبلغ دلالة على ذلك.
مشاهد الدمار والموتى والمشردين مؤلمة للغاية وتدمي القلب، ولا يملك الإنسان سوى الدعاء لهم بالرحمة، وكما قال نجيب محفوظ على لسان بطل روايته الشهيرة «بداية ونهاية»، عندما قال: «أما أنا فسأرتدي ربطة عنق سوداء».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزلزال والطبقات الزلزال والطبقات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon