بقلم: حسين شبكشي
منذ أيام أتمّت إحدى أهم دور المزادات العالمية بيع قناع تمثال مصري قديم لتوت عنخ آمون، الشخصية الفرعونية القيادية المشهورة، رغم الاحتجاجات الكبيرة من السلطات المصرية التي تشير إلى أن هذا المزاد «غير قانوني»، لأن التمثال تمت حيازته بشكل غير مشروع، وتمّت سرقته وتهريبه إلى خارج مصر، ولكن بحسب مسؤولي الدار، فإن مصر لم تستطع أن تثبت موقفها بشكل «قانوني» مصحوباً بالوثائق والأدلة والبراهين. وقبل ذلك كانت هناك «معارك» كلامية من الأطراف العربية ضد إسرائيل، في مطالبتهم «بحقوقهم» الخاصة بملكية الفلافل والحمص والتبولة بوصفها أطباقاً تراثية وتاريخية، سبقتهم إليها إسرائيل بتسجيلها بالطرق القانونية.
طبعاً هناك تحايل إسرائيلي واضح، ولكن المعركة كانت قانونية، ولذلك سجلت إسرائيل «موقفاً»، ودعمته بالأدلة والحجج. وتُبين لنا هذه الأمثلة أن هناك تقليلاً من أهمية «القانون» في الثقافة العامة لدى بعض الدول في العالم العربي، وأن ترسية دولة «القانون» ما هي إلا شعار جميل وبراق، ولكن عملياً وواقعياً يبقى ذلك الأمر بعيداً عن أرض الواقع، وبلا أثر مؤثر وفعال في حياة الناس والمجتمع.
إنها مرحلة القانونيين ولا ريب. كل الشعارات والمعارك الكلامية التي فُتِحت لأجلها جبهات كثيرة، وسقط بسببها العديد من الأبرياء، مطلوب أن يتم تحويلها إلى سجال قانوني لسن أنظمة وقوانين تكون الغاية منها حماية الحقوق بجميع أشكالها، وترسيخ مرحلة جديدة من استخدام القانون أداة حكم وعدل بدلاً من القرارات الإدارية الفردية. وبالمناسبة، كان هذا التوجُّه أحد أهم أسباب التفوق الإسرائيلي في القضايا مع المجتمع الغربي، وهو الاعتماد على سلاح القانون، إذ عملت بجد ومثابرة على تسجيل معاداة السامية على أنها جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، وكذلك فعلت بخصوص موضوع إنكار المحرقة المعروفة باسم «الهولوكوست»، وكذلك فعلت في معارك جانبية أخرى ومختلفة.
القانون منظومة متكاملة... هي ثقافة تتم تغذيتها بشكل دوري في الأعمال الأدبية والأفلام السينمائية وغير ذلك، بحيث تترسخ مفاهيم وقيمة القانون بوصفها قيمة مضافة ملموسة في المجتمع بأكمله، وتُضرب الأمثلة بفيلم «السيد سميث يذهب إلى واشنطن»، ويحكي عن قانوني يناضل في «الكونغرس» لسن تشريعات مطلوبة في المجتمع. وهناك رواية «من أجل قتل طائر مزعج»، وهي للمؤلف هاربر لي، عن محامٍ شاب يدافع عن فلاح أسود متهم باغتصاب فتاة بيضاء، وسط مجتمع الجنوب الأميركي العنصري البغيض، وطبعاً ساهمت هذه الأعمال وغيرها في رفع درجة التقدير والاحترام لمفهوم دولة القانون والقانونيين فيه.
ساحات القانون شهدت معارك مهمة حول العالم، واستُخدمت فيها قوانين محورية ساهمت في حماية المجتمع، أو على الصعيد الدولي في استعادة الحقوق. عربياً هي ساحة لم تلقَ القدر الكافي، والمستحَق من الاحترام والتقدير، وهذا أحد أهم أسباب تراجع المنطقة عن المكانة الدولية التي تستحقها.
رسوخ دولة القانون وتوفير جميع المعطيات التي تمكّن من تحقيق ذلك، مطلب تنموي لا يقل أهمية عن الصحة والتعليم، بأي حال من الأحوال.