بقلم: حسين شبكشي
أميركا لا تغير أهدافها، ولكنها قد تغير طريقة اللعب والتكتيك المصاحب. لعل هذه الجملة الأهم في فهم توجه السياسات والتوجهات العامة لأميركا، والعالم يتابع بترقب وقلق كبيرين نتائج الانتخابات الأميركية لما لها من أثر متوقع على العالم، في مجالات عدة، أهمها، وفي سنة يسيطر عليها خبر جائحة «كوفيد - 19»، اعتماد لقاح فعال وناجع للتعامل مع الفيروس المقلق، فالعالم بات ينتظر اللقاح الأميركي كحل مطمئن للفيروس، وطبعاً ستكون على الطاولة مواضيع أخرى لا تقل أهمية، لعل أبرزها إعادة ضخ الدماء في جسم العالم الاقتصادي، الذي لا يزال يعتمد بشكل مباشر، وغير مباشر، على السوق الأميركية، وعلى سلعها وخدماتها.
يضاف للملف الاقتصادي سلسلة مهمة من الملفات المتشابكة، تخص الشأن السياسي تتعلق بأوروبا والصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والشرق الأوسط.
هذه الانتخابات كشفت عن الكثير من المسائل المقلقة، لعل أهمها ازدياد حدة القطبية السياسية (political polarization) في الفضاء الإعلامي، حتى باتت التغطية الإخبارية تشبه رابطة مشجعي أندية كرة القدم المتعصبين المعروفة بـ«الألتراس». تغطية خالية تماماً من الموضوعية، وفي أحيان كثيرة هي أيضاً خالية من المنطق، وفيها حد كبير جداً من الاستخفاف والاستهزاء بعقلية المشاهد والمتلقي. ولكن اللافت في التغطية الإخبارية لهذه الانتخابات، خصوصاً في أيامها الأخيرة، هو كثرة الاستعانة بالقانونيين والخبراء الدستوريين، كضيوف للإجابة عن أسئلة افتراضية مختلفة تدور حول: «ماذا لو؟»... ماذا لو أعلن الرئيس ترمب فوزه قبل اكتمال فرز وعد الأصوات؟ أو رفض التسليم بالنتيجة وقبولها في حالة خسارته؟ وهي أسئلة منطقية، وقد تكون متوقعة جداً، نظراً لحدة الانقسام في أوساط الناخبين في المجتمع الأميركي. مع عدم إغفال الاحتمال المتزايد باللجوء للعنف المسلح، للتعبير عن الغضب بين أنصار المرشحين، وهذا تهديد جدي للغاية إذا ما تم الأخذ في عين الاعتبار حجم مبيعات السلاح المذهل وغير المسبوق في الشهور الست الماضية، والتهديدات العلنية التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مخيف، مما اضطر بعض عمد المدن الكبرى إلى القيام بإجراءات استباقية واحترازية لحماية المواقع الحكومية الرئيسية، والمحال التجارية، خوفاً من العبث والحرق والتحطيم من قبل المجاميع الغاضبة. أيضاً لا يمكن إغفال فرضية التدخل السيبراني الخارجي، عن طريق دول مختلفة لها مصالح مهمة في فوز حليفها تماماً كما أثبتت لنا انتخابات 2016.
واقع الأمر أن الإعلام التلفزيوني ووكالة أنباء «الأسوشيتد برس» هم الذين «يعلنون» الفائز في كل ولاية بحساباتهم الممنهجة والمبنية على احتساب نسبة أرقام يعلن بعدها الفائز إعلامياً، إلا أن النتيجة الرسمية تأخذ وقتاً أطول قبل الإعلان الرسمي، ولا تعتمد إلا في شهر يناير (كانون الثاني). وبالتالي هذه القطبية الحادة في الساحة الإعلامية، ستنعكس على أداء المحللين للنتائج، وحتماً ستترك أثراً مهماً على مصداقية الأجهزة الإعلامية بمختلف أشكالها.
الانتخابات الأميركية الحالية لا تقتصر على الرئاسية، فهناك انتخابات مهمة تجري لبعض الأعضاء المؤثرين والمخضرمين في غرفتي الكونغرس بجزأيه النواب والشيوخ، نتائجها ستكون حتماً ذات تأثير بالغ الدلالة والأهمية في دوائر صناعة القرار السياسي بالمنظومة التشريعية من النظام الأميركي. سيراقب الناس نتائج الانتخابات في الولايات المتأرجحة التي تقع على الساحل الشرقي، تحديداً ولايات فلوريدا وجورجيا وبنسلفانيا، التي ستتحدد نتائجها مبكراً، وبالتالي من الممكن الحكم على اتجاه الريح لباقي الليلة.
الانتخابات الأميركية هم داخلي في المقام الأول، وهذه المرة شهدت الانتخابات إقبالاً قياسياً غير مسبوق تجاوز الـ93 مليوناً، مما يعني أن الرقم يمثل 45 في المائة من المسجلين للتصويت. سيلجأ كل فريق إلى النظام الانتخابي لصالحه، واستغلال الثغرات القانونية إلى أقصى درجة، ولكن في النهاية سيتم حسمها بالأصوات، ولا شيء غير الأصوات، سواء بالمحكمة الدستورية أو بدونها. أعقد انتخابات وأهم انتخابات، وأصعب انتخابات وأغلى انتخابات، هي الأوصاف التي تعبر عما يجري حالياً في أميركا. مع قراءة هذه السطور تكون الانتخابات، قد انتهى وقتها، والناس تحبس أنفاسها في ترقب النتيجة وكأنها تترقب المشهد الختامي لملحمة هوليوودية باهظة التكلفة.
بعد الانتخابات سيواجه المشرعون الأسئلة الصعبة؛ أسئلة تطرح اليوم لإعادة الثقة بالمنظومة الديمقراطية التي شابها المحسوبية والفساد، والمال السياسي، لأن هذا يشكل خطراً أهم من «الكوفيد» والصين وروسيا مجتمعة.