توقيت القاهرة المحلي 14:00:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شكل جديد للبشرية!

  مصر اليوم -

شكل جديد للبشرية

بقلم: حسين شبكشي

جائحة «كوفيد - 19» التي تعصف بالعالم حالياً أظهرت جزءاً بسيطاً من عالم الغد المنتظر الذي ينتظر البشرية جمعاء، وسيكون وبشكل أساسي من بطولة وتأثير الذكاء الصناعي. يجهل كثير منا بشكل واضح كم حجم التأثير الذي تؤثر فيه خوارزميات الذكاء الصناعي على رغباتنا وقراراتنا وكيف أننا بشكل أو بآخر أصبحنا نحيا في عالم وهمي وافتراضي.
سواء أكان قرار شراء كتاب أو صداقات جديدة أو لمن تصوت أو عندما تحدد أقساطك من قبل شركة تأمين أو توضع على قوائم المنع من السفر، هناك شكل من أشكال الخوارزمية ضالعة بشكل أو بآخر في صناعة القرار. فلين كولمن المحامية الدولية لحقوق الإنسان والزميلة في جامعة هارفارد العريقة لها كتاب مهم بعنوان لافت ومثير «الخوارزمية البشرية: كيف يعيد الذكاء الصناعي تحديد من نحن». وهي تقدم «وصفة» قانونية مقترحة للعديد من التحديات النظامية التي ستواجهها الإنسانية في الحقبة القادمة، فهي تخشى من حضارة قادمة لا يتم فيها نقاش «حقوقنا البشرية والمدنية الحالية والمستقبلية، ونوجه الشجاعة الأخلاقية لإنشاء آلات ذكية تعكس إنسانيتنا بكل تنوعها». إنها حضارة جديدة يجري تشكيلها أمام أعيننا.
في كتابه المهم «نمو وتطور الحضارات» يطرح المؤرخ الأميركي الشهير كارول كويجلي مقولة بسيطة ولكنها دقيقة في معناها العميق بقوله «إن كل حضارة تتطور بالاستفادة من الماضي في صناعة الواقع والمستقبل» بمعنى آخر ضرورة النقد الموضوعي والمستقل للتاريخ والتعرف على بواطن الأخطاء وأسبابها. الحضارة القادمة ستكون للطاقة «الجديدة» والذكاء الصناعي أدوار عظيمة خصوصاً لو تابعنا أحلام وأهداف وطموحات أحد أهم العقول المؤثرة في عالم التقنية والأعمال وهو إلون ماسك مؤسس شركة «تسلا» للسيارات و«سبيس إكس» والذي قدم للعالم تصوراً مبدئياً لشريحة إلكترونية تزرع في دماغ الإنسان لأجل علاقة أوثق وأقوى وأكثر فاعلية وتأثيراً بين الإنسان والآلة بمعناها العريض من ذكاء صناعي وبالتالي القدرة على التعامل الخوارزمي الفوري. وهنا يشير الرجل إلى أن الجسم البشري «قادر» على احتضان وتقبل أجسام آلية «غريبة» عنه مثل منظم ضربات القلب والمفاصل الصناعية والسماعة الصناعية والمسامير البلاتينية ومنظم كهرباء الدماغ، وبالتالي سيكون قادراً على استقبال الشرائح المتطورة. وهذا يقودنا إلى التصور الهائل الذي وضعه متخصص علوم المستقبليات المعروف راس كورزويل في كتابه الأكثر مبيعاً بعنوان «التفرد اقترب: عندما يتجاوز البشر علوم الأحياء» وهو يتحدث عن نقلة نوعية عظيمة وغير مسبوقة في تاريخ البشرية والتي سيتم التعرف فيها على تعريف جديد تماماً لما يعني أن تكون بشراً. على موعد مع قدرات جسدية وعقلية استثنائية ستقدم لنا أسئلة وتحديات أخلاقية وفلسفية لا بد من الاستعداد لها حتى لا تصدمنا حين طرحها ونحن غير جاهزين لذلك.
كانت الطاقة ومصادرها قديماً تحدد شكل ومسار وقصة الحضارة التي تتسبب في صناعتها. هكذا يصور لنا المفكر الاستثنائي الكندي من أصول تشيكية فاسلاف سميل في كتابه الضخم جداً والذي يحمل عنواناً ذاتي الشرح: «تاريخ الطاقة والحضارة» وفيه يقول «لا جدال أن الطاقة عصب الحياة، وهي العنصر الذي يتحكم في مقدرات الأمم والدول في عصرنا الحالي»، وقد يكون من غير المستبعد على الإطلاق أن يكون الإنسان هو نفسه مصدراً للطاقة في المستقبل. على الأقل هذا ما يجري بحثه في أروقة الجامعات ومعاهد العلوم المتطورة.
ليس وليد الصدفة خروج شركة النفط العملاقة «إكسون موبيل» من مؤشر داو جونز لأهم الشركات المتداولة في سوق الأسهم الأميركية لصالح شركات التقنية الحديثة التي باتت أهم مؤثري الاقتصاد في العالم، ولكنه مؤشر جديد وعلامة أخرى أننا بصدد تكوين مفهوم اقتصادي جديد تماماً لصالح حضارة إنسانية جديدة تتشكل نصب أعيننا اليوم. الإنسان القديم انتقل من الحياة الرعوية إلى الحياة الزراعية ومن بعدها استقرت حياته وصولاً إلى الثورة الصناعية وتبعاتها، وكل نقلة في التطور العلمي للبشر تصنع معه حضارة جديدة وتطرح معها أسئلة وجودية وفلسفية صعبة جداً.
شكل جديد يتشكل للبشرية وجائحة «كوفيد - 19» سرعت إيقاع حصوله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شكل جديد للبشرية شكل جديد للبشرية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon