بقلم: حسين شبكشي
احتل خبر إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترمب صدارة العناوين الإعلامية حول كل العالم من دون مبالغة. وتفاعلت مع هذا الخبر وبشكل فوري، الأسواق المالية حول العالم، فحصل هبوط في البورصات، وانخفضت قيمة العملات، ونزل سعر برميل النفط، وارتفع سعر الذهب، في دلالة واضحة على أن هذا المصاب غير كل مصاب آخر.
لم يكن الرئيس الأميركي هو الرئيس السياسي الأول الذي يصاب بالفيروس، فلقد سبقه إلى هذا كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، ولكنها هذه المرة أصابت رئيس الدولة السياسية الأهم وصاحبة الاقتصاد الأكبر، والقوة العسكرية الأضخم، مع عدم إغفال أن كل ذلك يحدث في سنة انتخابية مصيرية لم يتبقَّ على يوم التصويت سوى أربعة أسابيع قليلة جداً.
استهان الرئيس بالفيروس وسخر من الذين حذروا منه، شكك في القيود الصحية التي أوصى بها أخصائيو الصحة العامة، ورفض ارتداء الكمامة والتزام التباعد الاجتماعي، وخفف من أعراضه المتداولة، وكان يروج لطرق علاج غير مثبتة، ولذلك يأتي خبر إصابته بأبعاد كثيرة؛ أولها التحدي الصحي الذي يواجهه الرئيس الأميركي وهو في سن متقدمة ويغلب على جسمه البدانة، وبالتالي أكثر عرضة لأعراض صعبة من هذا الفيروس المعقد، وليس آخرها الخيارات السياسية المعقدة المطلوب مواجهتها للتعامل مع الحملة الانتخابية في مدتها المتبقية والمواجهات المجدولة مع خصمه مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، وإمكانية حصولها على شبكة الإنترنت عن بعد.
أيام مقلقة وحاسمة للغاية في التاريخ الأميركي لم تمر حالة شبيهة مثلها من قبل. بمعنى آخر هناك صناعة للتاريخ تحدث أمام أعيننا بالفعل. 14 يوماً حاسمة، أسبوعان سيحبس الناس فيهما أنفاسهم. فهي المدة التي ستستغرقها ظهور الأعراض الحادة بشكل تصاعدي وتدريجي، وهي الفترة التي قد تفتح الخيارات السياسية على مصراعيها. الفريق الطبي، والفريق الدستوري هم الأشخاص الأهم في هذه الفترة، فصحة الرئيس «ليست ملكه»، ولكنها بحكم المنصب «ملك الشعب»، وبالتالي شفافية المعلومات الخاصة بها تصبح حقاً عاماً للناس. سيكون من المفروض وبحكم النص الدستوري إقرار وضع الرئيس إذا خرج عن السيطرة فتنقل صلاحياته إلى نائبه.
إذا تعافى الرئيس فسيكسب «نقاط تعاطف» من الناخبين، خصوصاً أنه أصيب وزوجته بالفيروس المعقد، وسيكون قد مضى وقت مهم من الزمن انشغل الناس بصحة الرئيس وأخبارها عن الحال الانتخابي. ولكن العدوى لم تقتصر على الرئيس وزوجته، ولكنها أصابت بعض أعضاء فريق حملته الانتخابية وجهازه التنفيذي، والأهم أنه في خلال حفل الإعلان عن اسم المرشحة إيمي باريت لمنصب القاضية الجديدة في المحكمة العليا، وهو الحفل الذي أقامه الرئيس ترمب في حديقة البيت الأبيض، وتم الكشف عن إعلان ثلاث إصابات في أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري المطلوبة أصواتهم لاعتماد الموافقة على ترشيح القاضية. وهذه مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للرئيس ترمب وفريقه الجمهوري، فهو يريد ضمانة أغلبية يمينية محافظة في المحكمة العليا في حالة اللجوء إليها إذا كانت نتائج الانتخابات الرئاسية لم تحسم، وذهبت إلى المحكمة العليا للبت فيها.
على الصعيد الطبي سيراقب العالم مستجدات العلاج التي سيتبعها الفريق الطبي للرئيس الأميركي، لأنه وكما تم الإعلان عنه أنه تم تقديم علاج «تجريبي» واعد له. هل سيكون التعاطف الشعبي مع مرض الرئيس الأميركي بمثابة القفزة التي ستصل بترمب إلى خط النهاية والفوز؟ أم ستكون النتيجة إدراك الناس أن دونالد ترمب وقع ضحية تعامله المستهتر مع الفيروس المعقد. يقال في الانتخابات الأميركية دوماً ما يكون هناك «مفاجأة أكتوبر»، مفاجأة غير متوقعة ومدهشة وصادمة في أغلب الأوقات.
هناك من المفاجآت ما قد يغير مسار الانتخابات، وهناك ما قد يهزها لفترة، ولا يزال شهر أكتوبر (تشرين الأول) في أوله، وقد يحمل العديد من المفاجآت الأخرى المثيرة. مع كل حدث تؤكد لنا سنة 2020 أنها سنة غير كل ما سبقها، وهناك العديد من المتابعين هم أيضاً يؤكدون أن هذه السنة الانتخابية ليست كغيرها، ولعل أكبر دليل على ذلك كانت المناظرة السوداء بين المرشحين ترمب وبايدن، التي وصلت فيها المشادات الكلامية إلى مستويات دنيا غير مسبوقة. أحداث مهمة جداً ومؤثرة على العالم لأنَّ ما يحصل في أميركا لا يبقى في أميركا فقط.