توقيت القاهرة المحلي 14:09:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكلام المباح في مسألة اللقاح

  مصر اليوم -

الكلام المباح في مسألة اللقاح

بقلم: حسين شبكشي

حالة من التفاؤل الحذر تسود العالم هذه الأيام، مع كثرة وتكرار الأنباء المبشرة والمطمئنة المتعلقة باللقاحات الفعالة الخاصة بجائحة «كوفيد - 19». وقد تفاعلت البورصات المالية بشكل إيجابي مع هذه الأخبار، واخترق مؤشر «داو جونز» الأميركي حاجز الثلاثين ألف نقطة للمرة الأولى في تاريخه الطويل، وأيضاً قفزت أسعار برميل النفط لتتجاوز الـ47 دولاراً، وهو سعر لم تشهده الأسواق منذ فترة ليست بالقليلة.
الجانب الاقتصادي من العالم يُعدّ العدة للتعامل مع مرحلة «ما بعد كورونا»، ويعتبر أن أخبار اللقاح الإيجابية أولى الخطوات المهمة للوصول لهذه المرحلة الفارقة. والحقيقة أن مسيرة اللقاح تبين لنا الكثير جداً عن صراع خفي في معسكرات نفوذ القوى المختلفة حول العالم. فعلى الرغم من «الإعلان» عن وجود لقاحين من الصين، وآخر من روسيا منذ أشهر، فإن العالم لم يأخذ ذلك بشكل جدي، ولم يؤثر على المؤشرات الاقتصادية الكبرى، حتى كانت الإعلانات «المتتالية» التي جاءت من قبل الشركات الغربية، من أمثال «فايزر» و«موديرنا» و«أسترازينيكا».
الصين، التي أعلنت عن إنتاج لقاح من قبل شركة «ساينوفارم»، تروّج للقاح في دول العالم الثالث، وبشكل مكثف في القارة الأفريقية، معتمدة على «نجاحاته» (لم تقدم أدلة مستقلة وشفافة تدعم هذه المقولة)، وسعره المقبول الذي يقارب الثلاثين دولاراً للجرعة الواحدة. وهناك اللقاح الروسي الذي اختارت له السلطات الرسمية اسم «سبوتنيك»، وهو الاسم الذي يدغدغ مشاعر الروس وتفوقهم الرمزي على المعسكر الغربي خلال حرب الاتحاد السوفياتي الباردة معه، وذلك حينما تم إطلاق القمر الصناعي الأول بالاسم ذاته، وأصبح «سبوتنيك» اسماً يطلق على رموز روسية مختلفة؛ من وكالة أنباء صحافية، وصولاً إلى لقاح لمواجهة «كورونا». وقد استعرض خصائص اللقاح وعرض مزاياه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، وعرض على العالم الإقبال على اعتماد اللقاح المسعّر بشكل مغرٍ لا يتجاوز العشرين دولاراً للجرعة الواحدة، ودرجة فاعلية تصل إلى 95 في المائة (وهي بذلك تقارب فاعلية لقاحي «فايزر» و«موديرنا»، وتتفوق على فاعلية لقاح «أكسفورد/ أسترازينيكا التي لا تتجاوز 70 في المائة)، مع ضرورة التذكير الجدي والمهم بأن البروتوكول الذي اتبعه الروس للإعلان عن اللقاح «غير تقليدي» من الناحية العلمية، ومثير للجدل.
على الرغم من كل هذه المزايا المغرية للقاح الروسي، فإنه تبقى أكبر شهادة في أهمية الحذر منه هي امتناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه عن أخذ اللقاح، وذلك لأسباب مبهمة وغامضة، مما يعني أن الصين وروسيا كانتا تبحثان عن ضربة علاقات عامة استباقية وليس عن إنجاز علمي حقيقي يفيد البشرية.
في كتابه المهم والمؤثر الذي حمل عنواناً جذاباً ذاتي الشرح «الثقة»، يقول المؤرخ السياسي الاجتماعي الأميركي، إن المجتمعات تنمو وتزدهر بقدر نمو الثقة بمؤسساتها واحترام القيم القائمة عليها. وهذا المفهوم يغيب تماماً حينما يتم التعامل مع كل من الصين وروسيا، بينما الحال مختلف تماماً حينما يتم التعامل مع منتجات لقاحات «فايزر» و«موديرنا» و«أكسفورد/ أسترازينيكا». فلقد مرت التجارب بمنهجية علمية وبحثية خاضعة لكيان رقابي وتشريعي مستقل مدعوم في بعض الأحيان من منظومة أكاديمية مرموقة... كل ذلك يضيف للمسيرة العلمية المنشودة نكهة سحرية مطلوبة؛ وهي الثقة. وهذه هي تحديداً الفجوة الكبرى التي لا تراها الصين وروسيا في صراعهما وسباقهما مع المعسكر الغربي عموماً، ومع الولايات المتحدة تحديداً. الموضوع يتجاوز تماماً «تقليد» منتجات الغرب وإنتاجها بسعر أرخص وأقل تكلفة تماماً كما تفعل الصين الآن، ولكن تبقى الميزة التنافسية للغرب هي حرية الإبداع التي تثمر منتجات استثنائية مدعومة ببحث علمي مرموق. وهذا هو السبب الرئيسي وراء بارقة الأمل التي عمّت العالم مع أخبار اللقاح من الدول الغربية، ولم يكن هناك الأثر ذاته حينما تم الإعلان عن كل من اللقاحين؛ الصيني والروسي.
هناك تحديات «لوجيستية» كبيرة ستواجه العالم في تخزين وتوزيع وتسعير اللقاح، ولكن الأهم أن عنصر الثقة بالمنتج تم التوصل إليه ولو بشكل مبدئي، وهذه هي الخطوة الأكثر أهمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكلام المباح في مسألة اللقاح الكلام المباح في مسألة اللقاح



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon