توقيت القاهرة المحلي 14:21:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصورة مقابل الكلمة!

  مصر اليوم -

الصورة مقابل الكلمة

بقلم: حسين شبكشي

في إحدى رحلات الفضاء التي قامت بها وكالة الفضاء الأميركية المعروفة باسم «ناسا»، التقطت فيها صور لكوكب الأرض ظهر فيها بوضوح كل من سور الصين العظيم، وأهرامات الجيزة، وكان تعليقي وقتها أن هذه الآثار العظيمة تُعَد أول «إعلان خارجي» في تاريخ البشرية، وأنهما اليوم يعاملان كمادة بصرية تحكي في لقطة واحدة الكثير عن الحضارة الصينية والحضارة المصرية القديمة، بعيداً عن الوظيفة الأساسية لها كمانع للغزوات في حالة السور، ومقابر للملوك في حالة الأهرامات. أدركت وقتها أن ذلك كان جزءاً من الثقافة السائدة في إيصال الرسائل: ثقافة الصورة البصرية. حضارات العالم القديم، خصوصاً تلك التي برزت في الشرق الأدنى والشرق الأقصى كانت لغة التواصل بين الناس لغة مصورة أو منحوتة أو منقوشة، ولم يكن للحرف وجود.

وانتشرت الرموز والشيفرات المصورة كوسيلة تخاطب بين الأمم لنقل الرسائل الدينية، والتبادل العلمي والتجاري، وظهر ذلك جلياً بشكل في حضارات بلاد ما بين النهرين (في العراق وسوريا الحاليتين)، واستمر هذا الحال مع المستشرقين واكتشافهم لمنطقة الشرق الأدنى والأقصى في لوحات من الفنون التشكيلية التي تظهر الشعوب في تلك المناطق من العالم في أسواقهم وقصورهم، شارحة في لقطات أسلوب حياتهم في اعتماد كامل على اللغة المصورة.

الأبجدية الأولى كحروف مكتوبة تنسب للفراعنة، تحديداً حقبة الفرعون الحاكم أمتحاب الثالث الذي حكم من 1860 إلى 1814 قبل الميلاد، ولكنها لم تخرج خارج محيط مصر القديمة، حتى جاء الفينيقيون وأسسوا أبجديتهم، وتبناها الإغريق لاحقاً، ومنها تبناها اللاتينيون وانتشرت حول العالم بصور مختلفة بعد ذلك لتأتي حقبة الكلمة. وأصبحت الكتابة هي الوسيلة المعتمدة لنقل المعرفة والتواصل والتعامل وصولاً إلى التاريخ السحري الأشهر في مرحلة الكلمة، تحديداً عام 1447، عندما قام المخترع الألماني يوهان غوتنبرغ، باختراع المطبعة، لتصبح أحد أهم الاختراعات البشرية في الألفية الثانية.

وهو اختراع بني على فكرة صف الحروف الصلبة جنباً إلى جنب، ليظهر الصورة المعكوسة على الورق (علماً بأن الصين كان لديها منذ القدم تقنية تعتمد على الطباعة الخشبية، ولكنها لم تنتشر لضعف تقنيتها). وساهم اختراع غوتنبرغ في سيادة الكلمة وانتشار العلوم والمعرفة بشكل غير مسبوق، وخرجت الكتب والصحف والمجلات حول العالم، ليكون المشهد وقتها تحقيقاً لما قيل في الأثر: «إن من البيان لسحراً».

ابن الهيثم، العالم والفقيه المسلم، وضع أسس فن التصوير المعروف اليوم، ولكن العالم لم يعِ عظمة ذلك إلا عام 1826، وهو التاريخ التقريبي لأول صورة فوتوغرافية عرفها الإنسان، وهي التي فرشت الأرض لعهد الصورة. وعادت بالإنسان في لغة التواصل إلى مرحلة ما قبل الكلمة والأبجدية إلى حقبة الصورة مجدداً. الصورة أصبحت البرهان والدليل والتوثيق على صدقية الخبر، وما يكتب، وولدت الصورة الفوتوغرافية والسينما والتلفزيون، ومع كل ذلك ولدت المقولة الشهيرة: «الصورة تغني عن ألف كلمة». ويستمر الصراع على عقل الإنسان بين الصورة والكلمة، وقد وصف ذلك الأمر بشكل معمق عالم النفس الشهير كارل جونغ (وهو أشهر تلاميذ عالم النفس الأشهر سيغموند فرويد) له كتاب مهم يتناول هذه المسألة بعنوان: «الكلمة والصورة». اليوم هناك من يتوقع أن العالم يسير باتجاه وسيلة تواصل تقنية جديدة تعتمد بشكل أساسي فيها على الصورة (هناك من يعتقد بأن الوجوه المعبرة في الرسائل المعروفة بالإيموجي، هي أولى خطوات ذلك، وهناك رسائل بأكملها تعتمد على هذه الوسيلة اليوم). ثقافة التواصل ستتغير مع التطور التقني المهول، خصوصاً في مجال الذكاء الصناعي، والحديث المتزايد عن إمكانية زرع شرائح في الدماغ البشري والنقلة النوعية التي ستحدثها والدخول في مرحلة التواصل التقني والافتراضي الرقمي. بمعنى آخر ننتقل إلى عالم الخيال التام ولكنه واقع. مرحلة ستتطلب قواعد جديدة من النظم والقوانين. لأنه إذا اعتقدنا أن اليوم يواجه العالم تحدياً في الأخبار الزائفة، فالأخبار الزائفة مستقبلاً سيكون مصدرها المتلقي نفسه من دون الحاجة لوسيلة وسيطة.

أعرق الصحف الفرنسية «لو موند» كانت تعتمد سياسة تحريرية صارمة حتى حقبة التسعينات الميلادية من القرن الماضي، وذلك برفضها نشر أي صورة، واعتمادها على الكلمة المكتوبة، ثم اضطرت أن ترضخ. واليوم هي وغيرها تراقب أعاصير التغييرات في الخطاب الإعلامي البشري، الذي ترتفع فيه مقولة البقاء للأكثر قدرة على التأقلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصورة مقابل الكلمة الصورة مقابل الكلمة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon