توقيت القاهرة المحلي 14:21:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستعمار والاقتصاد

  مصر اليوم -

الاستعمار والاقتصاد

بقلم: حسين شبكشي

هناك فرضية مهمة جديرة بالاحترام والمتابعة تقول إن كل التوسعات الإمبراطورية، بكل أشكالها وأنواعها، التي كانت تنتشر تحت شعارات دينية أو سياسية، كان هدفها في المقام الأول اقتصادياً بحتاً.
وفي هذا السياق يفصل الكاتب والمؤرخ الإنجليزي المتخصص في الشؤون الهندية والمقيم في الهند أيضاً في كتابه الجديد والمهم والصادر حديثاً «الفوضى: الصعود المقاوم لشركة شرق الهند»، دور شركة شرق الهند، التي كانت الواجهة الاقتصادية للإمبريالية البريطانية في الهند، وكيف أن الشركة تحولت إلى أقوى قوة اقتصادية في العالم، وأكبر شركة فيه مسيطرة تماماً على خيرات شبه القارة الهندية، ومتحكمة في تسعير واستهلاك وتصدير سلع جوهرية مثل الشاي والقطن والملح والحديد والأرز وغيرها، والأسلوب نفسه سبق أن اتبعه البريطانيون في الصين قبل ذلك، عن طريق الشركات التي أوجدوها في مستعمرة هونغ كونغ، للسيطرة على منتجات الصين من الشاي والحرير والخشب والجاد، واستعرض كل ذلك بشكل مستفيض الكاتب روبيرت بيكرز في كتابه المهم «بريطانيا في الصين».
وليس بخافٍ على أحد أن رحلة البحار الإيطالي الشهير، ابن مدينة جنوه، كريستوفر كولومبوس إلى القارة الأميركية و«اكتشافه التاريخي» لها كان باتفاق مع ملكة إسبانيا وقتها الملكة إيزابيللا بهدف اكتشاف طريق «جديدة» للقارة الهندية، ونشر التبشير بالدين المسيحي فيها، وطبعاً لم يصل كريستوفر كولومبوس إلى وجهته الأساسية المقصودة، ولكنه كان المؤسس لحقبة من الإمبرياليات الأوروبية التي تعاقبت على استغلال خيرات القارتين الأميركيتين بشقيها الشمالي والجنوبي. إمبرياليات أوروبية مثل إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا وبريطانيا استفادت بشكل مذهل من السيطرة على موارد اقتصادية، ذات عوائد جبارة مثل القطن والذهب والتبغ والأخشاب والذرة والأرز. وكانت الإمبريالية البريطانية في أميركا هي النواة التي ولد من رحمها الاقتصاد الأكبر في العالم اليوم، والمقصود هنا هو اقتصاد الولايات المتحدة، وهو ما استعرضه بشكل مثير ودقيق الكاتب الأميركي من أصول هندية بهو سرينيفاسان في كتابه المهم: «أميركانا: 400 عام من تاريخ الرأسمالية الأميركية»، وكيف أن الاقتصاد الأميركي الذي بدأ مع وصول أول ركاب السفينة الأميركية الأشهر «الماي فلاور» التي حطت في مرفأ صخرة بليموث في ولاية ماساتشوستس أسس لتاريخ جديد تماماً من بعدها، مروراً بشركة فيرجينيا التي أسست لفكرة الشركات «العملاقة»، والتي أصبحت بعد ذلك النموذج القياسي الذي بنيت عليه لاحقاً الشركات متعددة الجنسيات، التي كانت توظف سياسياً في مرحل مختلفة، خصوصاً العاملة منها في مجالات الطاقة والتسليح والطيران والسيارات والتقنية الحديثة والاتصالات والزراعة. حتى الأقليات لهم نفوذهم وتاريخهم الاقتصادي، ويكثر الحديث عن تلك الظاهرة حين الحديث عن الأقليات في المهجر وتكتلاتهم، مثل الهنود والصينيين والأرمن واللبنانيين، ولكن الحديث الأهم يبقى عن اليهود، وعلى الرغم من كل ما فيه من محاذير، فإنه لا يمكن إنكار أن لهم تاريخاً مؤثراً، ولكن بشكل «مختلف» تماماً، ولعل أهم وأفضل من تعرض لهذا الموضوع، هو الوزير الفرنسي الأسبق جاك آتالي الذي قدم في كتابه الضخم جداً: «اليهود والعالم والمال: التاريخ الاقتصادي للشعب اليهودي»، ووضح فيه الاضطهاد الذي تعرض له اليهود عبر الزمن وتاريخ علاقات اليهود بغيرهم من الجماعات الإنسانية بالمال، الذي هو بحسب ما وصفه، يشكل عصب الحياة.
ولعل أكبر ما يحفز قوتي الصين والهند الاقتصاديتين اليوم، هو الرغبة الملحة في «الانتقام» و«إثبات الذات» أمام العالم الغربي بعد سنوات الاستعمار الطويلة الصعبة والمذلة. وهذه الأيام تبقى ممارسة أشكال ممارسات الاستعمار الاقتصادي موجودة وبشكل فج، وإن كان مختلفاً عما قبل في القارة الأفريقية، حيث تتصارع فيها قوى الاستعمار التقليدية من أمثال بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا والبرتغال، وتضاف إليها اليوم قوة كل من الهند بوجود جاليتها الاستراتيجي المؤثر اقتصادياً، خصوصاً في شرق أفريقيا وجنوب أفريقيا، والصين التي تغرق كثيراً من دول القارة الأفريقية بديون مالية بشروط مغرية، وهي أيضاً وضعت هدفاً بتوطين عشرة ملايين مواطن صيني في القارة الأفريقية بحلول عام 2010، وهو الذي تحقق لها.
كل التوسعات الإمبريالية والاستعمارية التي تمت تحت كل أنواع الشعارات البراقة تبقى الغاية منها الهيمنة الاقتصادية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستعمار والاقتصاد الاستعمار والاقتصاد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon