توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفكير من الباطن

  مصر اليوم -

التفكير من الباطن

بقلم: حسين شبكشي

الإنسان كائن بشري فريد من نوعه يعتمد على نفسه في أمور مختلفة كالأكل والشراب والتنفس والتفكير. إلا أن الإنسان، اليوم، يواجه احتمالاً كبيراً وواقعياً يتعلق بإمكانية نقلة نوعية في مسألة التفكير؛ وهي أن يكون ذلك عن طريق طرف آخر مما يعني عملياً التفكير من الباطن.

فاليوم يتابع عدد غير قليل من الناس حول العالم بمزيج من الدهشة والإعجاب والقلق والذهول تطورات وتفاصيل تطبيقات روبوتات الدردشة المعتمدة على الجيل الجديد من الذكاء الصناعي، التي تقوم بتقديم حلول غير عادية للبحث والابتكار والإبداع والحلول تتفوق فيها وبامتياز كبير عن أي شيء آخر موجود بالأسواق حالياً. وهذه التطبيقات تقوم بتقديم نماذج إبداعية لما يُطلب منها ككتابة المقالات وصياغة الخطابات وتقديم المشورة القانونية، وإعداد الميزانيات المالية وتأليف الألحان الموسيقية والقصائد الشعرية والرسم التشكيلي، وهذه المهامّ كانت دوماً مناطق تفكيرية إبداعية خلاقة ينتجها الخيال البشري، وهذا تماماً ما كان يقصده الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت عندما قال: «أنا أفكر إذن أنا موجود»؛ أي بمعنى آخر، ربط ديكارت وجود الإنسان بقدرته على التفكير.
ومع تعاظم أدوار الذكاء الصناعي في حياة البشر وتأثيرها المتزايد على المجالات المختلفة، قد يكون الذكاء الصناعي هو المتسبب في أكبر سلسلة من التغييرات على نمط الحياة، والعمل بشكل عام متفوقاً في ذلك على ما أحدثته الثورات الزراعية والصناعية والتقنية المعلوماتية مشتركين جميعاً.
ومن الطبيعي أن يتم تداول تداعيات هذا المشهد على السياسات والتشريعات والقوانين اللاحقة. ولعلَّ أبلغ وصف لما هو آت ما وصفه الكاتب الكندي التشيكي الأصل فاسلاف سميل بعصر التحولات الكبرى، في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه . وفيه يشرح الكاتب كيف أن التحولات الكبرى ستطال القطاعات كافة دون استثناء، شاملة في ذلك التعليم والطب والأعمال والقضاء، وكيف أن هذا سيكون له الأثر الثوري على مؤشرات جودة الحياة للبشر.
ولا يخفي الكاتب الأميركي بول مورلاند، في كتابه «أناس الغد: مستقبل البشرية في عشرة أرقام»، فيقول إن وظيفة البشر ونمط حياتهم باتا مهددين بسبب سطوة الذكاء الصناعي المتزايدة، وهي نقطة تستحق الاهتمام والمتابعة.
وتأتي هذه التحولات مع التطورات العلمية والطبية الهائلة في مجالات دراسات المخ والأعصاب، تزداد فيها معرفة قدرات الدماغ وأغوار العقل مما يعني نقلة نوعية متوقعة في معرفة الإنسان لقدراته الدماغية، مما سيمنحه قدرات فائقة جديدة.
الجهاز الذي نحمله فوق أكتافنا والذي لا يزن أكثر من كيلوغرام ونصف هو الشيء الأعقد، على مبلغ علمنا حتى الآن، في الكون وهو يفعل أشياء كثيرة بشكل مذهل مثل تخزين الذاكرة للأحداث المؤلمة والمفرحة، اتخاذ القرار في المسائل كافة، إلى تمكين الإنسان من عزف البيانو أو لعب كرة القدم، ولكن يبقى أهم ما يقوم به هذا الجهاز هو تصور المستقبل.
هذه القدرة النادرة يتميز بها البشر عن باقي المخلوقات. فالبشر وحدهم من يستطيعون السفر إلى المستقبل بعقولهم. الحيوانات تستطيع إدراك موقعها في المكان ولكنها لا تعي فكرة الزمن.
هذه الإمكانية الخارقة وضعتنا على أول الطريق في مسيرتنا. إننا نعيش في الحاضر، ولكن عقولنا قادرة على السفر إلى المستقبل. غير أن السفر إلى المستقبل له ثمن باهظ؛ وهو الإحساس الدائم بانعدام اليقين. الإنسان الصياد عاش أسيراً للخوف من كوارث الطبيعة المختلفة، والإنسان المزارع عاش تحت رحمة الفيضانات والجفاف أو الأمراض الفتاكة. اليوم يعيش الإنسان في مجتمعات بالغة التعقيد والتقدم التقني، ولكن هذه المجتمعات قد تصاب بالشلل الكامل بسبب كائن لا يُرى بالعين المجردة كما حدث مع فيروس كورونا.
الفيلسوف الروماني سينيكا يقول «نحن نعاني بسبب خيالنا بأكثر مما نعاني في الواقع»، وبالتالي من الممكن القول إن المواجهة القادمة بين الذكاء البشري والذكاء الصناعي قد تكون أخطر معركة وجودية للبشر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير من الباطن التفكير من الباطن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon