توقيت القاهرة المحلي 04:52:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفكير من الباطن

  مصر اليوم -

التفكير من الباطن

بقلم: حسين شبكشي

الإنسان كائن بشري فريد من نوعه يعتمد على نفسه في أمور مختلفة كالأكل والشراب والتنفس والتفكير. إلا أن الإنسان، اليوم، يواجه احتمالاً كبيراً وواقعياً يتعلق بإمكانية نقلة نوعية في مسألة التفكير؛ وهي أن يكون ذلك عن طريق طرف آخر مما يعني عملياً التفكير من الباطن.

فاليوم يتابع عدد غير قليل من الناس حول العالم بمزيج من الدهشة والإعجاب والقلق والذهول تطورات وتفاصيل تطبيقات روبوتات الدردشة المعتمدة على الجيل الجديد من الذكاء الصناعي، التي تقوم بتقديم حلول غير عادية للبحث والابتكار والإبداع والحلول تتفوق فيها وبامتياز كبير عن أي شيء آخر موجود بالأسواق حالياً. وهذه التطبيقات تقوم بتقديم نماذج إبداعية لما يُطلب منها ككتابة المقالات وصياغة الخطابات وتقديم المشورة القانونية، وإعداد الميزانيات المالية وتأليف الألحان الموسيقية والقصائد الشعرية والرسم التشكيلي، وهذه المهامّ كانت دوماً مناطق تفكيرية إبداعية خلاقة ينتجها الخيال البشري، وهذا تماماً ما كان يقصده الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت عندما قال: «أنا أفكر إذن أنا موجود»؛ أي بمعنى آخر، ربط ديكارت وجود الإنسان بقدرته على التفكير.
ومع تعاظم أدوار الذكاء الصناعي في حياة البشر وتأثيرها المتزايد على المجالات المختلفة، قد يكون الذكاء الصناعي هو المتسبب في أكبر سلسلة من التغييرات على نمط الحياة، والعمل بشكل عام متفوقاً في ذلك على ما أحدثته الثورات الزراعية والصناعية والتقنية المعلوماتية مشتركين جميعاً.
ومن الطبيعي أن يتم تداول تداعيات هذا المشهد على السياسات والتشريعات والقوانين اللاحقة. ولعلَّ أبلغ وصف لما هو آت ما وصفه الكاتب الكندي التشيكي الأصل فاسلاف سميل بعصر التحولات الكبرى، في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه . وفيه يشرح الكاتب كيف أن التحولات الكبرى ستطال القطاعات كافة دون استثناء، شاملة في ذلك التعليم والطب والأعمال والقضاء، وكيف أن هذا سيكون له الأثر الثوري على مؤشرات جودة الحياة للبشر.
ولا يخفي الكاتب الأميركي بول مورلاند، في كتابه «أناس الغد: مستقبل البشرية في عشرة أرقام»، فيقول إن وظيفة البشر ونمط حياتهم باتا مهددين بسبب سطوة الذكاء الصناعي المتزايدة، وهي نقطة تستحق الاهتمام والمتابعة.
وتأتي هذه التحولات مع التطورات العلمية والطبية الهائلة في مجالات دراسات المخ والأعصاب، تزداد فيها معرفة قدرات الدماغ وأغوار العقل مما يعني نقلة نوعية متوقعة في معرفة الإنسان لقدراته الدماغية، مما سيمنحه قدرات فائقة جديدة.
الجهاز الذي نحمله فوق أكتافنا والذي لا يزن أكثر من كيلوغرام ونصف هو الشيء الأعقد، على مبلغ علمنا حتى الآن، في الكون وهو يفعل أشياء كثيرة بشكل مذهل مثل تخزين الذاكرة للأحداث المؤلمة والمفرحة، اتخاذ القرار في المسائل كافة، إلى تمكين الإنسان من عزف البيانو أو لعب كرة القدم، ولكن يبقى أهم ما يقوم به هذا الجهاز هو تصور المستقبل.
هذه القدرة النادرة يتميز بها البشر عن باقي المخلوقات. فالبشر وحدهم من يستطيعون السفر إلى المستقبل بعقولهم. الحيوانات تستطيع إدراك موقعها في المكان ولكنها لا تعي فكرة الزمن.
هذه الإمكانية الخارقة وضعتنا على أول الطريق في مسيرتنا. إننا نعيش في الحاضر، ولكن عقولنا قادرة على السفر إلى المستقبل. غير أن السفر إلى المستقبل له ثمن باهظ؛ وهو الإحساس الدائم بانعدام اليقين. الإنسان الصياد عاش أسيراً للخوف من كوارث الطبيعة المختلفة، والإنسان المزارع عاش تحت رحمة الفيضانات والجفاف أو الأمراض الفتاكة. اليوم يعيش الإنسان في مجتمعات بالغة التعقيد والتقدم التقني، ولكن هذه المجتمعات قد تصاب بالشلل الكامل بسبب كائن لا يُرى بالعين المجردة كما حدث مع فيروس كورونا.
الفيلسوف الروماني سينيكا يقول «نحن نعاني بسبب خيالنا بأكثر مما نعاني في الواقع»، وبالتالي من الممكن القول إن المواجهة القادمة بين الذكاء البشري والذكاء الصناعي قد تكون أخطر معركة وجودية للبشر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير من الباطن التفكير من الباطن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon