بقلم: حسين شبكشي
هناك العشرات من القمم السياسية والاقتصادية التي عقدت في السابق، وتعقد هذه الأيام، ولكن يبقى القليل جداً منها ما يمكن وصفه حقيقة وبجدارة واستحقاق بالقمة التاريخية. ونظراً لظروف العالم الاقتصادية الحرجة بسبب تفشي جائحة «كوفيد - 19»، التي فرضت ظروفاً قاسية واستثنائية، فإن قمة العشرين المنعقدة بالسعودية بشكل افتراضي غير مسبوق استحقت وبجدارة ومن قبل انطلاقها بوصف القمة التاريخية.
لقد كانت كلمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، التي افتتحت بها أعمال هذه القمة التاريخية عن البلد المضيف، كلمة شاملة ووافية، تم التعرض فيها للتحدي المالي الكبير بعد الأزمة المالية التي تعرض لها العالم في عام 2008، وأدت إلى زلزال اقتصادي مهول كان من نتائجه تكوين مجموعة العشرين الاقتصادية لإيجاد خطة عمل مشتركة للخروج من تلك الأزمة العاصفة والنهوض بالاقتصاد العالمي بعد ذلك. هذا الأمر كان في غاية الأهمية وذلك لتذكير الدول الأعضاء وتحفيزها على عمل اللازم لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية (التي تفوق بكثير في أضرارها عن تلك التي تسببت فيها أزمة 2008 المالية). وأوضح أيضاً في الكلمة ضرورة تحقيق التوزيع العادل في اللقاحات المنتظرة، وأن تكون بتكلفة معقولة وميسورة لجميع الشعوب، والدعم المالي العام بتخفيض مديونيات الدول الفقيرة وغير القادرة على الالتزام والوفاء بمديونياتها، حتى يتمكن الجميع من الخروج من الأزمة العنيفة هذه بأفضل حال صحية واقتصادية في آن.
كان أيضاً لافتاً جداً في كلمة الملك سلمان الافتتاحية، تركيزه الشديد على ضرورة الاهتمام بسلامة كوكب الأرض والاعتناء ببيئته بشكل استباقي، وذلك بالمطالبة بتهيئة الظروف المناسبة لإيجاد اقتصاد أكثر استدامة، وتعزيز مبدأ الاقتصاد الدائري للكربون لتحقيق أهداف التغيير المناخي ومكافحة تدهور الأراضي والحفاظ على الشُعب المرجانية. وبقي التركيز أساساً على صحة الإنسان، وضرورة الاهتمام بتطوير المنظومات الصحية بشكل عاجل وعام.
اجتماع دول قمة العشرين هو واقعياً وعملياً اجتماع لـ80 في المائة من اقتصاد العالم في وقت واحد، وقرارات وتوافق واتفاق هذه الدول حتماً سيكون لها تأثير فعلي على العالم بأسره ولا شك. ولم تحظَ أي قمة دول العشرين من قبل، بهذا الكم الهائل والمتواصل والتحضير الدقيق والعمل المكثف، كذلك الذي حصل في قمة العشرين هذا العام بالسعودية نظراً للظروف القهرية التي انعقدت خلالها وفرضت بالتالي مواضيع مهمة ومستجدة وغير مسبوقة... كل ذلك جعل الشأن الصحي يسبق كل المواضيع الأخرى.
يستمع العالم بشكل مركز لتجربة السعودية في مواجهة الجائحة، بعد تصنيفها واحدة من أفضل عشر دول حول العالم تمكنت من مواجهة الفيروس، وأحسنت التعامل معه (وهي المسألة التي جعلت حاكم ولاية كاليفورنيا كبرى الولايات الأميركية، يدرسها مع تجربة بلدين آخرين للاستفادة منهما في الإجراءات التي سيتخذها في الولاية لمواجهة كورونا).
ركز العاهل السعودي في كلمته الافتتاحية أيضاً على ضرورة وأهمية دعم الاقتصاد العالمي، وضرورة العمل على إعادة فتحه بشكل طبيعي، وكذلك معالجة مواقع الضعف في منظومة التجارة العالمية، التي كشفت عنها الأزمة الحالية وتداعياتها المتواصلة والمقلقة، وتم أيضاً الإعلان عن إقرار مبادرة الرياض بشأن مستقبل التجارة العالمية لمواجهة التحديات المهمة المقبلة، والعمل على مواجهة أزمة عنيفة وغير مسبوقة عصفت بالاقتصاد والإنسان.
سقف الطموحات ترسمه البدايات، والسعودية منذ تحملها مسؤولية قمة العشرين الحالية، قامت بعقد قمة استباقية، واليوم تستضيف القمة الافتراضية، وأعلنت عن قمة أخرى في مارس (آذار) المقبل للمتابعة، بالإضافة إلى القرارات والمبادرات التي تم إقرارها وإطلاقها، كل ذلك يمنح العالم خريطة طريق للخروج من الأزمة بسلام وبعث أمل وطمأنينة مطلوبين طال البحث عنهما وانتظارهما. قمة تاريخية في ظروف استثنائية، قد يكون في هذه الظروف بداية النهاية من الكابوس الطويل. وصفت 2020 بأنها سنة الفيروس و2021 بأنها سنة اللقاح و2022 بأنها سنة الخلاص. قمة العشرين في السعودية، تمكنت من جمع الدول المؤثرة لتأمين مسار مشترك للجميع حتى يخرج العالم بأسره من هذا التحدي الاستثنائي وغير المسبوق بسلام، وهذا بحد ذاته أهم وأكبر نجاح يحسب للسعودية.