توقيت القاهرة المحلي 18:19:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إعلام الصورة النمطية

  مصر اليوم -

إعلام الصورة النمطية

بقلم : حسين شبكشي

المتابع لإصدارات أفلام ومسلسلات هوليوود لا بد أن يلاحظ أن هناك تكريساً واضحاً لنحت صورة نمطية عن العرب في أذهان المشاهدين في المجتمعات الغربية. كانت الصورة النمطية التقليدية الأولى التي تواترت في أفلام فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الميلادي الماضي تتناول العربَ كشخصيات جاهلة ومتخلفة وسطحية غير متمدنة، تملك ثراءً هائلاً ولا يهمها سوى التمتع بشهوات وملذات الحياة. وفي فترة الستينات الميلادية، وخصوصاً بعد حرب 1967، التي تكبد فيها العرب خسائرَ فادحة، بدأت الأفلام الهوليوودية تركز على تكريس صورة العربي كمخلوقٍ دموي وهمجي وبدائي وإرهابي وغدارٍ ولا يؤتمن. ولعلَّ الفيلمَ الأبرز في هذا السياق كان «الخروج»، الذي كان من تأليف الروائي الصهيوني الأشد تطرفاً ليون أوريس، ومن بطولة النجم بول نيومان، الذي حكى هجرة اليهود من أوروبا «وعودتهم» إلى أرض الميعاد التوراتية، واستخدم اسم الفيلم ليتوافق مع سفر الخروج في العهد القديم، الذي يحكي قصة خروج اليهود من مصر، ويظهر الفيلم العربَ بشكل همجي ووحشي، ويشكك في حبهم لأرضهم وعدم ولائهم لها. ولعلَّ أهمَّ من تناول صورة العربي في الإعلام الأميركي كان البروفيسور ذو الأصول اللبنانية جاك شاهين، الذي شرح هذا التناول في كتابين مهمين: الأول «الفيلم العربي» عن صورة العرب في أفلام هوليوود، والثاني «التلفزيون العربي»، عن صورة العربي في مسلسلات التلفزيون. وكنت قد قابلته في مؤتمر بالقاهرة عام 1987، وتناولت معه هذا الموضوع، وقال لي وقتها إن هناك منهجية واضحة، ولا يمكن أن تكون وليدة الصدفة لتكريس الصورة النمطية السلبية بحق العرب.

ولم تقف محاولات تكريس صورة العربي السلبية في شاشات السينما والتلفزة، ولكن ظهرت أيضاً بعض الكتب بعناوين مثيرة للجدل، مثل «العقل العربي»، تحاول أن تروج أن عقلية العربي مختلفة، وأن لها «قابلية فطرية وطبيعية» للشر والعنف، وهي بذلك الطرح تقوم تماماً بما قامت به آلة الترويج والدعاية النازية في ألمانيا، وقت أن كانت تروّج بمنشورات سلبية عدائية لا سامية ضد اليهود، بعنوان «العقل اليهودي» لبناء سردية عدائية ضدهم استعداداً للقضاء عليهم في أوروبا.

وفي حقبة السبعينات والثمانينات والتسعينات حدثت طفرةٌ في كم الأفلام التي تحمل في طياتها كراهيةً صريحة وعداءً صارخاً للشخصية العربية، ولعلَّ أبرزَها وأشهرَها كان فيلم «دلتا فورس»، الذي أنتجه هارفي واينستين الذي أدخل السجن لاحقاً إثر قضايا أخلاقية فاضحة. لكن هناك شيئاً ما يتغير، شيئاً مهماً جداً أخذ في التكون. جيلٌ جديدٌ ينمو ويكبرُ ويترعرع، وهو يرى في الولايات المتحدة، تحديداً والغرب عموماً... نماذج ناجحة في المجتمع من المهاجرين العرب، نماذجُ متألقة في مجالات الطبِ والهندسةِ والقانون والتعليم والآدابِ والفنون والرياضةِ والسياسةِ والاقتصاد والمال، نماذجُ مهمة ورائعة أثبتت نجاحاتِها عن جدارةٍ واستحقاق.

وبدأت فزاعة «العربي الشرير»، التي تم ترسيخُها بتركيز شديد وبمجهود حثيث ونهج دقيق، عبر فترة ليست بسيطة من الزمن، يصيبها الشرخ المستمر والتآكل المتواصل. ثم جاءت تقنية الإنترنت ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، لتكونَ وسيلة مضادة لمعرفة حقائق ونماذج وأمثلة تضرب منهجية ترسيخ الصورة النمطية التقليدية السلبية، التي تم تأسيسُها عن العربي الشرير، وتضربها في مقتل. وبدأ الناس في وسائل التواصل الاجتماعي يتناقلون الصورَ والأخبار والتعليقات التي تبيَّن وجود «شرير آخر» دموي، إجرامي سفاح، كان يروج له دائماً بأنه الطرف المظلوم الأضعف المغلوب على أمره، الواجب نصرته والضروري تأييده.

عندما يكون الحديثُ عن ترسانات الدول وقوتِها العسكرية، وقدراتها على الحسم والتأثير، لا تذكر كثيراً القدرات الإعلامية وأدوات التأثير على العقول، والسيطرة على الرأي العام، وهي التي وصفها الأكاديمي الأميركي الشهير ناعوم تشومسكي «أنها أهم وأخطر ما لدى الولايات المتحدة، وهي في خطورتها وتأثيرها تتفوق على الأسلحة النووية».

العرب خسروا بشكل فاضح وفادح معركة الرأي العام في الغرب منذ عقود من الزمن، وهي هزيمة أكبر من النكبة والنكسة مجتمعتين، ويبقى السؤال قائماً ومهماً عن مدى الاستفادة ممَّا حصل، وهل من الممكن تفاديه مجدداً إذا ما حصل مرة أخرى في المستقبل؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعلام الصورة النمطية إعلام الصورة النمطية



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon