بقلم: حسين شبكشي
في أسفل الصفحة الثالثة من نسختها الورقية، أعلنت الصحيفة البريطانية العريقة «فايننشيال تايمز» عن اختيارها رولا خلف، رئيسةً لتحرير الصحيفة التي تأسست منذ عام 1888، لتصبح أول امرأة تتبوأ هذا المنصب الرفيع. وهي صحافية لبنانية مخضرمة، تأتي بدايةً من شهر يناير (كانون الثاني) القادم على رأس إحدى أهم وأكثر وسائل الإعلام تأثيراً واحتراماً، ومن الصحف القليلة التي تحقق ربحية، بعد انقلاب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بلغت العام الماضي 25 مليون جنيه إسترليني، نتيجة مبيعات بلغت 383 مليون جنيه إسترليني حصيلة الاشتراكات، وصل 60% من الدخل ونسبة 70% من قرائها من خارج بريطانيا.
وتنضم رولا خلف لسيرة وقائمة من الصحافيات المؤثرات اللاتي أدرن بنجاح أهم أسماء المطبوعات الكبرى. فاليوم تتبوأ زاني مينتون بيدوز رئاسة تحرير أهم مجلة في العالم وهي «الإيكونومست» البريطانية، والصحيفة لها تراث بألا تسمي في مقالاتها وأخبارها أسماء محرريها، إلا أن كل المتابعين يشيدون بالتطور النوعي في مضمون المجلة ومواكبته للإعلام الرقمي الجديد. وقبل ذلك شهد العالم النقلة النوعية التي أحدثتها الصحافية البريطانية المهمة تينا براون في مجلة «النيويوركر» العريقة والتطوير المهم فيها شكلاً ومضموناً، مع الإبقاء على أسلوبها المهني الرصين، وهي التي جاءت إليها بعد نجاح كبير في مجلة أخرى هي «فانيتي فير».
الصحافة الرصينة لا تزال محترمة ومؤثرة. هناك صروح صحافية تكسب ثقة المتلقي وسط الصخب والضوضاء والثرثرة والإزعاج باسم الإعلام. في بريطانيا توجد «التايمز» و«الفايننشيال تايمز» و«الغارديان»، وفي فرنسا توجد «لوموند» و«لوفيغارو»، وفي ألمانيا تظل «دير شبيغل» مؤثرة ومهمة جداً، وفي أميركا هناك «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» و«النيويوركور» و«الأتلانتيك». الصحافة المهنية المحترفة لا تزال قادرة على تصدر المشهد الإعلامي، والقادر منها على التكيف مع منصات الإعلام الجديد المختلفة سيكون قادراً على الوصول إلى شريحة جديدة لجمهور متنوع.
ويبقى المضمون هو الأساس، وهو أهم ما يمكن تقديمه. هناك العشرات من دور الصحف التي أغلقت أبوابها أمام «التغيير الكبير» في صناعة الإعلام، التحدي الحقيقي أمام الصحافة التقليدية هي كيفية إقناع الجمهور العريض، الذي تعوّد ولفترة طويلة جداً من الزمن على الحصول على المواد الإخبارية بالمجان أن يدفع مقابلاً لذلك الآن؟ المادة الجادة تعرض نفسها كما أثبتت النماذج التي سبق ذكرها، فكلها الآن تقدم نماذج من الإعلام الرقمي المعتمد على الاشتراك.
المادة الإعلامية الجادة والمحترمة لها قيمة، وهذه القيمة يجب أن يكون لها قدر وثمن يُدفع. عصر المادة الإعلامية المحترمة والجادة المجانية إلى زوال عما قريب. الكفاءات المهنية في كل مجال نادرة وكل مؤسسة تستثمر في الكوادر البشرية تتميز عن غيرها بالمنتج والمردود سيأتي.
وقد يهمك أيضًا:
نظام عالمي جديد؟
أهمية ما يحصل في لبنان