بقلم: حسين شبكشي
هناك صراع محموم على قيادة العالم، إذا لم يكن على الصعيد السياسي؛ فعلى الأقل تبقى الساحة الاقتصادية هي «الحلبة الأبرز»... بينما تحتل الولايات المتحدة المركز الأول، فإن الصين تسعى وبقوة لاحتلال المركز الأول عمّا قريب، وتليها الهند التي ستكون الاقتصاد الثالث عالمياً قريباً.
إذا كانت أميركا قد أثبتت نفسها بأنها منظومة سياسية واقتصادية متكاملة؛ فهي دولة حريات ودستور ومنظومة ليبرالية رأسمالية، فإن السؤال اللافت والمهم هو: ما الفوارق الأهم بين الصين والهند؛ لمعرفة أهم المحاور المؤثرة التي تصنع المشهد المستقبلي ببلدين في غاية الأهمية حاضراً ومستقبلاً؟
بداية؛ من الممكن القول إن الهند تشكل قصة نجاح، نموذجها مبني من القاع إلى القمة، أما الصين فالعكس؛ فهي قصة نجاح نموذجها مبني من القمة إلى القاع. فالهند نجحت بناسها رغم حكومتها. أما الصين؛ فقد نجحت بسبب حكومتها التي أفرزت نخبة لافتة من التكنوقراط المميزين جداً، والذين تمكنوا من بناء بنية تحتية مذهلة في فترة زمنية قياسية لم يعرف مثلها التاريخ من قبل.
الهند كانت دوماً دولة ضعيفة، بينما عرف عن الصين أنها دوماً دولة مركزية وقوية. عرف عن الهند أنها صاحبة مجتمع قوي وفعال ومؤثر، بينما عرف عن المجتمع الصيني أنه ضعيف ولا تأثير له يذكر، وبسبب هذا التوصيف كانت الحكومة الهندية تعرف بالبيروقراطية، وبالتالي تحولت إلى مرتع للمحاسيب والأنصار، وبالتالي إلى مستنقع للفساد الفتّاك. مشكلة الهند بالتالي الحوكمة أو الحكم الرشيد، بينما مشكلة الصين هي غياب الديمقراطية. إنه سباق محموم بينهما، والذي سيحسم السباق بشكل قطعي هو ما إذا أصلحت الهند حوكمتها قبل أن تغير الصين سياساتها.
الحرية والديمقراطية الموجودتان في الهند هما اللتان وفّرتا الأرضية القوية والمهمة للإبداع في مجالات السينما والأغاني والمسرح، مما منح الهند قوة ناعمة هائلة مؤثرة حول العالم، جعلتها قادرة على أن تكون لاعباً فعالاً ومؤثراً جداً في سباق الاقتصاد الرقمي الجديد، لأن الهند اهتمت بالتعليم وتطويره، مما جعل الهنود يتبوأون أهم المناصب التنفيذية حول العالم في كبرى الشركات متعددة الجنسيات.
عندما كتب صمويل هانتنغتون كتابه التاريخي «صراع الحضارات» ركز ناقدو ومراجعو الكتاب على المواجهة المقبلة بين الغرب والإسلام، ولكن الكتاب تطرق أيضاً إلى المواجهة المقبلة بين الغرب والكونفوشيوسية (القيم التي تشكل الوجدان الصيني). اليوم هناك صراع في الداخل الأميركي بين القيم التي قامت عليها أميركا، وقيم جديدة غريبة عليها يتبناها اليمين المتطرف العنصري المتشدد، وهناك صراع خفي بين طرفين في الصين «الكبرى» حول القيم، أحدهما يتبنى الحرية والحقوق وهو الموجود في هونغ كونغ أو في تايوان (التي تعدّها الصين مجرد إقليم متمرد) أو في التيبت أو في تركستان الشرقية. وفي الهند هناك أصولية وطنية تواجه تعددية رحبة واسعة تشمل الجميع.
هو سباق اقتصادي تحكمه الأرقام والإحصاءات، ولكنه في الوقت نفسه صراع قيم تحكمه أولويات وأخلاقيات، والمنتصر لها سيكون له الحق في أن يرسم حضارة المستقبل التي ستكون شكل العالم لحقبة طويلة جداً من التاريخ.