بقلم: حسين شبكشي
سألني أحد الأصدقاء عن رأيي في الأحداث الأخيرة والمستمرة منذ بضعة أيام في لبنان؛ فيه مظاهرات شعبية ناقمة على الرموز السياسية بكل أشكالها، وتطالبها بالرحيل الفوري. الإجابة البديهية والواضحة عن السؤال هو غضب الشعب، بعد أن بلغ السيل الزبى وفاض الكيل، واعتراضه على الظروف الاقتصادية والمصاعب المعيشية. ولكن بحديثي مع عدد غير بسيط من الأصدقاء والمعارف اللبنانيين، فالأسباب أهم وأعمق بكثير.
هناك إحساس بأن «فكرة» و«مشروع» لبنان الجميل، وأن حلم الدولة المدنية اللاطائفية والقادرة على احتضان كل الطوائف والأديان والمذاهب قد اندثر... لبنان الذي كان منارة العلم والحرية في المنطقة، وذا خطاب سياسي مدني (على الأقل في ظاهره)، أصبح مع الوقت يقوده بالسلاح ومن خلف الشاشة زعيم طائفي ولاؤه لنظام آخر خارج البلاد له ميليشيات يهدد بها مخالفيه ويحمي بها المجرمين وتجارته المشبوهة.
إنها مسألة تبعث على الخجل لكل لبناني شريف وغير قابلة للدفاع عنها. مشروع «توريث» في منصب رئاسة الجمهورية يتم التحضير له بعناية منذ فترة، ورئيس البرلمان بأنه في منصبه للأبد. فشل اقتصادي، مصارف مهددة بعقوبات اقتصادية غير مسبوقة بسبب علاقة بعضها بتمويل تنظيم «حزب الله» الإرهابي. أي دولة لا قدرة لها على فرض سلطتها لتنظيم تجميع القمامة لن تكون قادرة على إنقاذ نفسها سياسياً.
اللبناني الذي برع اقتصادياً خارج بلاده بتفوق وتميز يحزنه رؤية فشل بلاده الكامل على كل الأصعدة بلا استثناء. الحرية وحدها لم تكن كافية، فهي بحاجة لقانون لمكافحة الفساد وتطبقه دولة قوية، وهذا مفقود في لبنان كما هو واضح. وصف بليغ ودقيق عن أحداث لبنان بأنها «الثورة المضادة»، ذلك أن الساسة تم منحهم الفرصة منذ 14 مارس (آذار) عام 2005، والآن ثار الشعب اللبناني عليهم مجدداً، بعد أن تم منحهم خمسة عشر عاماً نتيجتها الفشل، واليوم قرر محاسبتهم. الشعب على ما يبدو في لبنان لا يريد إسقاط النظام، فهو فعليا منتهٍ وغير موجود، ولكنه في الحقيقة يريد إحياء النظام ليحيي فكرة لبنان ومشروعه الجميل الذي قتلته الطائفية واغتاله الفساد.
الغضب المشاهد والحاصل في الشارع اللبناني له أسبابه الكثيرة والوجيهة، ولكنه يواجه منظومة سياسية يقودها تنظيم مسلح أسهم في قمع ثورة شعبية في سوريا المجاورة داعماً لحكم الطاغية.
التحدي أمام الشعب اللبناني ليس بالسهل، ولكن الأهم أن النظام السياسي القائم تم فضحه ويبدو أنه قد انتهت صلاحيته.