بقلم : حسين شبكشي
تعودت دائماً في قراءتي للأحداث ومحاولة تحليلي لمجرياتها أن أبحث وباستمرار عن المستفيد الأكبر والنهائي حتى لو لم يكن ظاهراً في الصورة بشكل واضح. تذكرت هذه القاعدة، وأنا أتابع تداعيات الأحداث الأخيرة التي حصلت في عدن، وتبادر إلى ذهني فوراً دور الروس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلف الكواليس، فمشروع إعادة الشرعية للحكم في اليمن والقضاء على انقلاب الحوثيين يلقى دعم الولايات المتحدة والغرب عموماً، والروس لديهم حوافز جوهرية لإحباط المشاريع السياسية التي ترعاها الولايات المتحدة مثلما حصل في سوريا، وحالياً ما يحصل في دعم النظام الإيراني في مواجهة أميركا، وحتى دعم العراق مؤخراً لصالح نفس الهدف والغاية أيضا.
المجلس الانتقالي الجنوبي قام بعملية انتقامية خادعة ضد قوى الشرعية نفسها سعياً وراء حلم الانفصال الجنوبي، الذي يراود الكثير منذ زمن ليس بقليل.
المجلس كيان سياسي وعسكري تعود جذور فكرته للدولة التي كانت برعاية الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه في بداية التسعينات، وبالتالي هناك «بقايا العلاقات» مع الاستخبارات الروسية القائمة اليوم. لعل أهم كيان سياسي تبنى فكرة استقلال الجنوب كان «رابطة الجنوب العربي الحر»، التي كان قبل دولة اليمن الجنوبية، وبعد تأسيس دولة اليمن الجنوبي، اختطف المشروع الجنوبي على أيدي الاشتراكيين والشيوعيين، الذين دمروا البلاد وساهموا في هجرة رؤوس الأموال والبشر والنخبة المثقفة والكوادر السياسية، وبعد انهيار المعسكر السوفياتي «اضطر» الجنوبيون لقبول فكرة الوحدة مع شمال علي عبد الله صالح الذي وعد فأخلف ما تم الاتفاق عليه مع قادة الجنوب.
اليوم تظهر على السطح في المجلس الانتقالي نغمات غريبة منها «انفصال الانفصال» انفصال عن الشرعية نفسها (وهي إضعاف لحجة الاستقلال المنشود)، وانفصال عن الجغرافيا (هناك من ينشد انفصال عدن عن حضرموت داخل دولة الجنوب المستقل). فكرة استقلال الجنوب نفسه لها شرعية ووجهة نظر ومصوغات ومنطق، ولكن هناك أولويات سياسية من المفروض أن تحصل لإكساب الشرعية المصداقية التي تنبثق منها، وخصوصاً أن قراراً بالاستقلال بحاجة لدعم دبلوماسي وشرعية سياسية أممية ودولية تماماً كما حصل في صيف 1963 عندما حصل رواد النضال لاستقلال الجنوب على قرارات من الأمم المتحدة نفسها باستقلال الجنوب العربي ووحدة أراضيه، وانتقال السيادة لشعبه.
رابطة الجنوب العربي لم تكن طرفاً في مشروع الوحدة الإجباري المبني على الخديعة، ولا كانت طرفاً في المجلس الانتقالي الجنوبي الحالي، ولذلك وجب التفريق بين من يناضل لأجل الهدف الأسمى وبين من يشتت الأهداف ويخلط الأولويات تحت تأثير الإغراءات والتضليلات الاستخباراتية الروسية، وهي التي تبقى دائماً المستفيد الأهم مما يحدث لإحباط مشروع إعادة الشرعية إلى اليمن ككل.
الروس في عهد بوتين اهتماماتهم ضد أميركا ومشروعها الديمقراطي ونشره حول العالم، ولأجل ذلك لن يتوقفوا عن إحباط كل شرعية تدعمها أميركا.