بقلم: حسين شبكشي
يوم آخَر من أيام فصل الصيف شديد الحرارة قضيته مع صديق عزيز، نقلّب فيه عناوين الأخبار ونحاول فهم ما يحدث بتحليل وقراءة ما بين السطور. وتشابكت العناوين وتداخلت الأخبار لتصل بنا إلى أدوار متعاظمة لروسيا، وقلق «الدولة» الأميركية من تعاظم هذه الأدوار. وبدأنا، أنا وصديقي، في إجراء مقارنة بين دعم روسيا الحالية (والسوفياتية السابقة) ودعم الولايات المتحدة لحلفائهما.
قال صديقي: انظر إلى دعم روسيا اللامحدود لبشار الأسد، وهو وحده سبب إنقاذ نظامه، أجبته: وما قولك بدعم أميركا غير المسبوق لإسرائيل؟ ألا توافقني أنه وحده سبب بقائها للآن، وكذلك التدخل الأميركي لنصرة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ونتائجه التي باتت معروفة جداً تاريخياً؟ وأضفت أن الروس لهم مواقف غريبة، فهم خذلوا حليفهم في أفغانستان ولم يحموا النظام المجاور لهم بالقدر الجدي والكافي، وكذلك موقف الروس الهش والدعم الخجول الذي قدموه لمصر في حرب 1973، لقد كان دعماً بالقطارة على أحسن وأفضل تقدير.
استرسل صديقي بوجهة نظر مثيرة ولافتة ومهمة، قال فيها إن مشكلة أميركا هي الإنجاز أو إتمام المهمة أو بمعنى أبسط «التشطيب والفينيشينغ»، قلت له: ماذا تقصد؟ قال: راجع معي بعض المعارك التاريخية بدءاً من حرب فيتنام، مروراً بحرب أفغانستان وصولاً لتحرير الكويت حتى غزو العراق، كلها مهام عسكرية لم يتم إتمامها بالكامل، بقيت أجزاء مفتوحة، تنزف وتكبر، فيتنام لم تنجز المهمة، وفي أفغانستان بقيت فلول التطرف فاستوحشت مخلفةً «طالبان» و«القاعدة»، وحتى دخول القوات الأميركية إلى لبنان وتعرضها لهجمات إرهابية انتحارية من تنظيم «حزب الله»، ولكن الأميركان رحلوا دون القضاء على هذا التنظيم المجرم، وكذلك عند دخول الكويت لتحريرها من القوات الصدامية والإبقاء على النظام العراقي وعدم إتمام المهمة، وعند الغزو الأميركي قضوا على النظام وحلوا الجيش مما نتج عنه بؤر الإرهاب وطبعاً لا يمكن نسيان خطوط أوباما الحمراء في سوريا والتي تبين أنها بلا معنى، بل إنها أدت إلى تمكين الروس من سوريا وتوسيع نفوذ الأسد. قلت له: ولكن قيمة أميركا الاقتصادية والعلمية لها مكانة في ميزان التقييم والمقارنة بين البلدين، كما يبدو أن روسيا لا تضيف شيئاً في العلاقة، ويعتمد الأمر على أهواء شخصية وليس له علاقة بمؤسسات ومصالح معروفة. ولكن المشهد سيأخذ بعداً آخر على مستوى العالم اعتماداً وبناءً على نتائج الانتخابات الأميركية القادمة. هناك محاذير أمنية عالية المستوى من تدخل روسي جديد، كما صرحت بذلك مصادر أمنية أميركية مختلفة، وهذا التدخل ستكون له عواقب. وهنا يأتي تصريح ستيف باندن أحد أهم مستشاري الرئيس ترمب، والذي يعد من صقور اليمين الجديد والذي يقضي جلّ وقته في أوروبا، وهو القائل: «إن بريكست ما هو إلا مقدمة لما هو آت»، في تحذير واضح لسائر الدول الأوروبية، وخصوصاً أعضاء الاتحاد الأوروبي.
روسيا بوتين تعتمد على علاقتها الخاصة وغير العدوانية مع ترمب، وهناك مَن يراهن في أميركا على الدولة العميقة والمؤسسات فيها، وبناءً على هذه المواجهة المتوقعة سيكون الحراك الدولي محموماً للفوز بحلفاء وصداقات جديدة لكل طرف.