بقلم : حسين شبكشي
وأخيراً وبعد طول انتظار، أعلنت وزارة العدل الأميركية نتائج تقرير المحقق الخاص المستقل روبرت مولر، وأوضحت أنه لم يثبت أن حملة الرئيس دونالد ترمب تواطأت أو نسقت مع روسيا، كما أضافت أن أدلة مولر غير كافية لبرهنة أو تأكيد عرقلة الرئيس ترمب القضاء. الرئيس ترمب وفريق إدارته وحزبه وأنصاره سيرون في ذلك نصراً عظيماً لهم، وصك براءة كبيراً للرئيس عن كل الاتهامات التي وجهها له كل خصومه طوال سنتين من الوقت.
أما الديمقراطيون فيعتبرونها ضربة موجعة وخيبة أمل كبرى لهم، بعد أن شحنوا المناخ السياسي والإعلامي ضد ترمب، ورفعوا سقف التوقعات، وبدأوا في الترويج لسيناريوهات واحتمالات الإقالة والعزل، ولكن اليوم باتت الأعين تركز على الكيفية التي سيتم بها توظيف هذا الحدث وتبعاته على المشهد الأهم؛ وهو الانتخابات الرئاسية المقبلة. بدأت التحليلات تنطلق صوب توقع «اكتساح» لصالح دونالد ترمب ضد خصومه من الديمقراطيين، خصوصاً في ظل غياب زعيم قوي منهم، ومع استمرارية وجود مؤشرات إيجابية ومطمئنة تخص الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في معدلات النمو المتصاعد والإنتاجية المتصاعدة ومعدلات البطالة المنخفضة، فالأميركي تعود أن «يصوت بجيبه»، فالاقتصاد يبقى الموضوع الأهم والأول بغض النظر عن القضايا الاجتماعية والسياسية الخارجية الأخرى. ولكن الدرس اللافت والأهم في هذه القصة، هو انتصار دولة المؤسسات والقانون على الأهواء. محقق «خاص ومستقل» فتح تحقيقاً في «شبهة خطيرة» تتعلق بسمعة رئيس البلاد و«تورطه في علاقة مشبوهة» مع «دولة غير صديقة»، وهي لو ثبتت ستكون باباً يفتح على مسائل في غاية الخطورة كالخيانة والخداع.
دولة المؤسسات والقانون ضمنت منهجية التحقيق واستقلاليته بعيداً عن «عواطف» الأحزاب الأخرى والإعلام والتشنج والاستقطاب الحاصل فيهما، ضمنت أن يكون التحقيق شاملاً وكاملاً يعتمد على ما هو «قطعي» الدلالة وليس «ظني» الدلالة، وأن أي متهم بريء حتى يتم توفر الكم والقدر الكافي من الأدلة التي تسمح وبكل ثقة وجدارة بتوجيه الاتهام إليه.
أهم ما يمكن الاستفادة منه في هذه الواقعة أن الدول العظمى تبنى على مؤسسات وأنظمة وقوانين، فالأشخاص راحلون، ولكن الإرث القانوني للدول الناجحة هو الذي يبقى، وأهم إرث لهم هو منهجية قانونية تضمن الحدود الدنيا من العدالة للجميع، لا يختلف تحت مظلتها شقي مشتبه به، وصولاً إلى رئيس للبلاد أحاطت به الظنون والشكوك والشبهات. دخلت هذه الجولة في أرشيف القانون السياسي وسيتم الرجوع إليها مستقبلاً لمعرفة كيف تسرع خصوم ترمب في القفز إلى خلاصة قضائية دون وجود أدلة دامغة تؤيد عواطفهم وأهواءهم ورغباتهم. ما يتمناه المرء شيء وما يمكن إثباته بالقانون شيء آخر. وتبقى القوانين المطبقة بسوية على الجميع ضمانة لتحقيق العدل، وهذا هو الذي يفرق بين الدول الناجحة من غيرها.
الانتخابات الرئاسية الأميركية أخذت زخماً جديداً، والمقبل مرشح أن يحمل مفاجآت أخرى، فخصوم ترمب والإعلام المؤيد لهم لن يقبلوا هزيمة تقرير مولر بسهولة.