توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مال ومدن وجشع

  مصر اليوم -

مال ومدن وجشع

بقلم : حسين شبكشي

سقطت شركة توماس كوك العريقة ذات 180 عاماً في ريادة العمل السياحي بشكل مذهل ومفاجئ.
هناك من فسر ما حصل بأنه نتاج عدم قراءة الواقع الجديد والمتغير لصناعة السياحة والتطورات التقنية التي طرأت عليها، وهناك من رأى أن كل ذلك نتيجة الجشع اللامحدود والتوحش الرأسمالي. ويرجعون السبب الأساسي للجشع والتوحش الرأسمالي إلى جنون العلوم المالية بشكل غير مسبوق في فترة السبعينات الميلادية من القرن الماضي. كان فصل جامعة هارفارد كلية إدارة الأعمال يطلق عليه اسم «الظلمات في الظهيرة»، لأنه كان يعقد في البدروم في فترة الغداء وبحضور ضئيل جداً. وفي فترة التسعينات انقلب الوضع وتغير، وتحولت البنوك الاستثمارية إلى الجنة الموعودة، ونقطة الجذب الكبرى، وامتلأت الفصول التي تقدم هذه المواد المطلوبة. ولكن مع الانهيارات المالية والفضائح والتجاوزات والجرائم التي تم كشف عنها وكلها يشترك فيها عنصرا الجشع والاحتيال.
التاريخ الحديث في عالم الأعمال في الغرب من الممكن تقسيمه إلى ثلاث حقب أساسية؛ الأولى عهد رجل المؤسسة، وهي الفترة التي تبدأ من 1930 إلى 1970؛ سيطرت الشركات الكبرى تحت تحكم التكنوقراطيين الذين يتأثرون بأسلوب الدولة الراعية، ويهتمون بالأمان الوظيفي إلى التقاعد إلى الضمان الصحي. من السبعينات وصاعداً تأتي الحقبة الثانية، عهد رجل الصفقة، التي جاءت نتاج فك القيود وتقليل التشريعات وتفتيت الشركات بملكية جديدة وعنيفة، كانت لها نظرة أقل تعاطفاً مع الواجبات الاجتماعية منذ عام 2000.
هناك حقبة ثالثة وجديدة؛ عهد رجل التواصل بقيادة شركات التقنية، التي تسعى إلى تحطيم نظام الأعمال القديم بملايين من المستخدمين، ولا يزال الحكم قائماً على صحة نجاح هذه الحقبة، أو على الأقل هذا ما لمح إليه نيكولاس ليمان في كتابه «رجل الصفقة»، وكذلك هناك مسببات لظهور الجشع؛ منها تمركز السلطة والثروة في مدينة بعينها تماماً، كما كان يحدث قديماً في البندقية ولاهاي وأثينا وروما، وهي المدن التي كونت دولاً واقتصاديات قلدتها لاحقاً بعد ذلك لندن وباريس بمركزية السلطة والسياسة والمال في مكان واحد مركز. وهي القاعدة التي بنيت عليها الفكرة في مصر، فكانت القاهرة هي مصر اختصاراً لسائر البلاد، ودمشق هي الشام اختصاراً لسائر سوريا. ووعى لذلك الأمر العالم الجديد، فكانت العاصمة برلين في ألمانيا والعمق التجاري لفرنكفورت، وفي أميركا بنيت واشنطن العاصمة، ولكن الثقل التجاري كان لنيويورك، وفي إيطاليا كانت العاصمة روما والثقل التجاري لميلانو، وفي أستراليا كانت العاصمة كانبيرا والمركز التجاري لسيدني، وفي كندا كانت العاصمة أوتاوا والثقل التجاري تورونتو، وفي البرازيل كانت العاصمة برازيليا والثقل التجاري ساوباولو، وفي الصين بكين والثقل التجاري لشانغهاي، والهند اختارت دلهي عاصمتها ومقر الثقل التجاري لمومباي، وحتى عربياً كانت أبوظبي العاصمة ودبي القلب التجاري، والمغرب اختارت الرباط والثقل الاقتصادي للدار البيضاء. تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ ثلاثة كتب ممتعة عن دور المدينة المتغير؛ الأول بعنوان «لماذا تخسر المدن» بقلم جوناثان رودن، والثاني «وكيل القوة» بقلم روبرت كارو، والثالث «مدينة النور» بقلم روبرت كريستيانس. والثلاثة يتحدثون عن دور المدينة المتغير في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتبدلة. الجشع هدام والتنوع مرغوب، ففيه حماية للأضرار الناتجة عن فطرة الإنسان الطبيعية التي ترغب في الحصول على أكبر قدر من المال بنهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مال ومدن وجشع مال ومدن وجشع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon