بقلم: حسين شبكشي
وقت مستقطع مع صديق التقيته بعد طول غياب هو الغذاء المناسب للعقل.
هذا هو الشعور الذي انتابني بعد نهاية «نزهة» عقلية دسمة حول أخبار العالم مع صديق مصرفي عربي مثقف جداً، ومتابع للأحداث، ومحلل جيد لأحوال المنطقة، ومغترب في الولايات المتحدة الأميركية منذ عقدين من الزمان. بدأ حديثه معي عن ملاحظة الاهتمام الواسع بالمسلسل التلفزيوني المعروض حالياً «ممالك النار»؛ يعتبره الكثيرون قراءة مراجعة وتصحيح للتاريخ (يتناول المسلسل أواخر حقبة المماليك وبداية حقبة العثمانيين)، وطرح صديقي سؤالاً مهماً ولافتاً: «هل يا ترى لدينا الاستعداد والذهنية الكافية والمناسبة لقبول فكرة عمل مراجعة أكثر وأعمق للتاريخ العربي والإسلامي، بداية من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصولاً للتاريخ المعاصر، مروراً بالأحداث المفصلية التي حدثت خلالها؟».
تذكرت ردود الفعل الإيجابية التي حصلت بعد عرض مسلسل «الملك فاروق»، الذي قدم مرافعة تاريخية منصفة لحقبة الرجل تخالف ما كان يتم تداوله، والشيء نفسه حصل في أكثر من مسلسل عن حقبة الأندلس. وهناك يجب أن نتذكر مسلسل «الجذور» الأميركي الذي قدم كتاب المؤلف الأميركي أليكس هيلي، بالعنوان نفسه عن قصته وجذوره الأفريقية، وقدوم جده الأكبر كعبد ضمن تجارة العبيد التي كانت تحصل في غرب أفريقيا لصالح الرجل الأبيض في أميركا الشمالية، وساهم المسلسل في مراجعة تاريخية لتاريخ العبودية الإجرامي في أميركا الشمالية.
وطبعاً وصل بنا الحديث سريعاً إلى أحداث العراق، فقال إن ما يحصل في العراق له بعد مهم لأنه (مع أحداث لبنان وإيران) هو استفتاء شعبي تلقائي وطبيعي على نظام الحكم في إيران والدول التي تتبع تأثيره، ومن الواضح أن هناك نقمة شعبية هائلة ضدهم، ولكن هناك جانب آخر، بالإضافة لاتهام إيران وحلفائها بالتدخل السياسي، هناك صراع على المرجعية الشيعية الأهم في العالم، مرجعية النجف، والإصرار على إبقائها بعيدة عن التأثير الإيراني، الذي حاول جاهداً، منذ وصول الخميني للحكم، إبراز مرجعية قم في إيران بديلاً، أو على الأقل على الوزن ذاته، ولكن العمق التاريخي للنجف رجح الكفة، هذا بالإضافة إلى فضح التدخلات السياسية المختلفة لإيران وعملائها في المنطقة، أضعف هذا المشروع وكشف أمره، وهذا يعيد إلى الذاكرة «استغلال» حركة «أمل» لحادثة اختفاء موسى الصدر في ليبيا في ظروف غامضة جداً، وتوظيف الحدث سياسياً باللعب، وبشدة، على وتر «غياب الإمام»، لما في ذلك من تأثير مباشر وعميق في النوستالجيا والوجدان الشيعي الشعبي، كما وصفها اللبناني الأميركي الراحل البروفسور فؤاد عجمي في كتابه «الإمام الغائب»، الذي وصف فيه توظيف هذه الحادثة، ورسم مقارنة في الضمير مع غياب الإمام الثاني عشر لتحريك المناصرين سياسياً وعاطفياً. وكان من الطبيعي التعرج إلى الصراع التجاري بين الصين وأميركا، أميركا ترى أن الصين نجحت، لأنها سرقت كل أفكارها من دون دفع ثمن للابتكار، فهو اقتصاد يعتمد سرقة أفكار غيره، وتطويرها، بشكل أرخص، ولذلك المعركة الأهم بالنسبة لأميركا هي معركة حماية حقوق الملكية الفكرية، ويستشهد بالذي حصل بين شركة «سيغواي» المنتجة للعربات ذات الدفع الذاتي، التي قامت شركة «ناينبوت» بتقليد منتجاتها بالتمام، واستغلت المبيعات المحلية في الصين لتكبر، وأصبحت الشركة أكبر من «سيغواي». وهددت الأخيرة برفع قضية سرقة حقوق ملكية؛ قامت الشركة الصينية بشراء «سيغواي».
ويخشى المجتمع الدولي أن يشكل هذا النموذج الجديد سابقة خطيرة لتحايل الصين على سرقة حقوق الملكية. هناك سيارات صينية نسخة من «مرسيدس» و«بي أم دبليو» و«رولزرويس» و«رانج روفر»، ولكنهم لا يجرؤون أن يسمح لهم بالبيع خارج الصين لقوة شركات السيارات العالمية في حماية نفسها. سألت الرجل قبل أن نختم اللقاء، ماذا عن إسرائيل؟ ابتسم وضحك وقال تخيل إسرائيل اليوم تعيش أفضل أيامها اقتصادياً، واهتمامها تكريس العدالة بمحاكمة رئيس وزرائها.