بقلم: حسين شبكشي
مع تطور العلوم وزيادة فاعلية التوثيق وانفتاح حدود العالم، زادت الثقة لدى الكثير في تحدي بعض الروايات التاريخية، ومنطقة الشرق الأوسط بحسب معظم الروايات التاريخية تعتبر مهد الحضارات والأديان. ومع انفتاح دول المنطقة على العالم، أصبح هناك فضول عظيم للتعرف وبعمق عن تاريخ المنطقة، بعد أن كانت لعقود طويلة أشبه بالصندوق الأسود الغامض.
هناك النسخة الأكثر تداولا من التاريخ والرواية والسرد، ولكنْ هناك آخرون من مؤرخي علم الأنثروبولوجيا من العالم العربي الذين أقدموا على طروحات مختلفة وجريئة، ولكنها بنيت على معطيات جديرة بالاهتمام. ولعل الأشهر في هذا المجال، كان اللبناني كمال الصليبي صاحب المؤلف الشهير «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، والذي يقول فيه باختصار شديد أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين، بل في منطقة غرب الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديداً في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن، وهو يفرق أيضاً ما بين اليهود وبني إسرائيل، ويعتقد أن بني إسرائيل كانوا شعباً في زمانهم دان باليهودية. وتصدى لهذا الطرح أحد أهم أعلام الأنثروبولوجيا في العالم العربي السوري فراس السواح، في «الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم». وفي الكتاب يفترض المؤلف السواح أن فلسطين هي أرض الحدث التوراتي، ولكنه يفند ويحلل ويميز ضمن هذا الحدث بين التاريخي واللاتاريخي وبين الواقعي واللاواقعي، معتبراً أن كثيراً من قصص التوراة قد تطبعت بطابع أسطوري أو ملحمي، لأنه يعتقد أن الرواية التاريخية التوراتية حقيقة غير قابلة للنقاش أو النقد.
أيضاً هناك العراقي فاضل الربيعي، الذي يقدم طرحاً جريئاً ومغايراً ملخصه أن الحدث التوراتي بمجمله حصل في اليمن وأن كافة الوقائع كانت هناك، ويربط ذلك بأن أقدم جالية يهودية تاريخياً جاءت من اليمن. ويضيف أن أورشليم تختلف عن القدس، وأن أورشليم موقعها في اليمن. وهناك العراقي خزعل الماجدي، الذي يغوص في تفاصيل السردية التاريخية لحضارات بلاد ما بين النهرين، ويفند الروايات التاريخية ليصنفها ما بين الأسطورة والخرافة والحكايا الشعبية والملحمة. ويقول إن السردية التاريخية تشكلت كخليط بين هذه النوعيات الأربعة، فأثرت على مصداقية الرواية لدى المتلقي.
وهناك المصري أحمد سعد الدين، مؤلف كتاب «فرعون ذو الأوتاد» الذي يقدم فيه طرحاً جريئاً عن التاريخ «الفرعوني» ووجود الهكسوس في مصر مع دخول بني إسرائيل والأحداث والأماكن التي عاشوا فيها، ويعرف أيضاً من هم الفراعين وتحديداً من هو فرعون موسى، مع عرض شامل لتاريخ الفراعنة مع توضيح دقيق ومفصل للفرق الجوهري بينهم وبين المصريين القدماء وأسباب الخلط بينهما. وهناك المصري عاطف عزت الذي ألف كتاب «فرعون موسى من قوم موسى» وخلاصة قوله إن فرعون موسى كان آخر ملوك الهكسوس وأنه لا يوجد دخلاء من «الخارج» في القصة، وأن كل أبطال القصة من نفس القوم والأرض.
ستقدم المزيد من السرديات والتي يعتمد فيها على علوم توثق المكان ببعده التاريخي حتى يمكن مطابقة التاريخ. هناك روايات ستتغير وتسقط ومفاجآت سيتم الكشف عنها ستكون سارة للبعض وصادمة للآخرين.
إعادة قراءة التاريخ بأدوات العلم هي أحد أهم عناصر صناعة التنوير ومحاربة الظلام، وهي مسألة طال انتظارها.
لا يملك أي أحد الحقيقة المطلقة، والعلم بحر كبير وعميق تبقى غاية الخوض فيه هي النور والمعرفة.