بقلم :حسين شبكشي
يتعرض رئيس الوزراء الكندي لأعنف حملة انتقاد في تاريخه السياسي، بعد أن كشف عن مجموعة الصور القديمة له، وهو قد طلى وجهه باللون الأسود في حفلات تنكرية مختلفة، وهو يسخر من أصحاب الأصول الأفريقية، وهي المسألة التي باتت المجتمعات الغربية تعتبرها تصرفاً شديد العنصرية، ومناهضاً بشدة للحقوق المدنية.
هذا التصرف المشين قام به من قبل عدد غير قليل من المشاهير من السياسيين والفنانين والرياضيين، وقد قاموا جميعاً بالاعتذار عقب عاصفة من الانتقادات والشجب والاستنكار. وقد بدأت هذه الظاهرة في فترة 1830 ثم تطورت لتدخل في الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، وتنقلها ثقافات أخرى مثل اليابان، التي لا يزال فيها شخصية كرتونية أفريقية اسمها سامبو، تعتبر من أكثر الرموز العنصرية، وكذلك تم استخدام ذلك الأمر في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية في العالم العربي دون خجل ولا اعتذار. فأفلام مثل بلال مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام وعنترة بن شداد والعديد من الأفلام الأخرى والمسلسلات الخليجية، كان معتاداً رؤية ممثلين يطلون وجوههم باللون الأسود بشكل ساخر، بل إنه إلى اليوم تباع حلوى في الأردن ولبنان باسم «رأس العبد»، وأيضاً هناك كلمات مثل «يا بربري» و«يا عبد» ما زالت تستخدم بلا عقوبة وبلا خجل في معظم الدول العربية.
فرنسا عندما استعمرت أفريقيا أطلقت كلمة «نيغرو» لوصف سكان هذه القارة، ولفظياً تعني الأنف الكبير باللغة الفرنسية، وتطورت هذه الكلمة مع الوقت لتصبح «نيغر» بالإنجليزية، ومع تطور حراك الحقوق المدنية في أميركا تم تجريم استخدام هذه الكلمة والمعاقبة الاجتماعية لمن يفعل ذلك.
مشكلة العنصرية متأصلة وعميقة الجذور في العالم العربي. وهذا منبعه الصراع على الهوية في المنطقة. فالشرق الأوسط منطقة تعج بصراع الهويات، فهناك العرب الذين تمكنوا بعبقرية من اختراع كذبة وصدقوها، فقسموا أنفسهم إلى عرب عاربة وعرب مستعربة، ليتطور الأمر اليوم إلى مزيد من التقسيمات الفرعية، ليكون هناك عرب الجزيرة وعرب الشمال وعرب الشرق وعرب الغرب. يضاف إلى هذا الكوكتيل العنصر العبري الذي يدعي وجوداً له بقدم المكان نفسه، وهناك العنصر الفارسي وكذلك التركي، ولا يمكن إغفال الكردي ولا النوبي ولا الأمازيغي ولا الفرعوني ولا الفينيقي. كلهم يسعون لأهمية «تأصيل الوجود» في المنطقة بدلاً من قبول الآخر، بل بات الهم والتحدي هو إلغاء الآخر تماماً، هذا كله دون التطرق ولا الدخول في الطبقات والفروقات الدينية والطائفية والمذهبية، فهذا بحث طويل آخر ليس هنا مجاله.
ولعل أبرز وأهم من كتب عن الهوية في العصر الحديث كان الكاتب والروائي الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف الذي قال: «الهوية لا تتجزأ أبداً ولا تتوزع أنصافاً أو أثلاثاً أو مناطق منفصلة». دول عظيمة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل ونيوزيلندا والهند تمكنت من تكوين هوية عريضة فيها احتواء عظيم للمختلف تحت حماية الحقوق والعدل باسم المواطنة بكفالة الدستور والقانون. أما الحديث عن المساواة بين «الناس» من دون قانون ودستور يحمي الشعارات الحميدة تبقى نوايا شريرة سرعان ما يولد عنها ظلم وتفرقة.
العنصرية سرطان الشعوب؛ إذا لم يتم القضاء عليها بقوة القانون ستتحول إلى قنبلة موقوتة متى ما انفجرت ستطال شظاياها كل أطياف المجتمع بلا رحمة، وهي نتيجة بائسة يتحملها الجميع.