توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سرطان العنصرية

  مصر اليوم -

سرطان العنصرية

بقلم :حسين شبكشي

يتعرض رئيس الوزراء الكندي لأعنف حملة انتقاد في تاريخه السياسي، بعد أن كشف عن مجموعة الصور القديمة له، وهو قد طلى وجهه باللون الأسود في حفلات تنكرية مختلفة، وهو يسخر من أصحاب الأصول الأفريقية، وهي المسألة التي باتت المجتمعات الغربية تعتبرها تصرفاً شديد العنصرية، ومناهضاً بشدة للحقوق المدنية.
هذا التصرف المشين قام به من قبل عدد غير قليل من المشاهير من السياسيين والفنانين والرياضيين، وقد قاموا جميعاً بالاعتذار عقب عاصفة من الانتقادات والشجب والاستنكار. وقد بدأت هذه الظاهرة في فترة 1830 ثم تطورت لتدخل في الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، وتنقلها ثقافات أخرى مثل اليابان، التي لا يزال فيها شخصية كرتونية أفريقية اسمها سامبو، تعتبر من أكثر الرموز العنصرية، وكذلك تم استخدام ذلك الأمر في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية في العالم العربي دون خجل ولا اعتذار. فأفلام مثل بلال مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام وعنترة بن شداد والعديد من الأفلام الأخرى والمسلسلات الخليجية، كان معتاداً رؤية ممثلين يطلون وجوههم باللون الأسود بشكل ساخر، بل إنه إلى اليوم تباع حلوى في الأردن ولبنان باسم «رأس العبد»، وأيضاً هناك كلمات مثل «يا بربري» و«يا عبد» ما زالت تستخدم بلا عقوبة وبلا خجل في معظم الدول العربية.
فرنسا عندما استعمرت أفريقيا أطلقت كلمة «نيغرو» لوصف سكان هذه القارة، ولفظياً تعني الأنف الكبير باللغة الفرنسية، وتطورت هذه الكلمة مع الوقت لتصبح «نيغر» بالإنجليزية، ومع تطور حراك الحقوق المدنية في أميركا تم تجريم استخدام هذه الكلمة والمعاقبة الاجتماعية لمن يفعل ذلك.
مشكلة العنصرية متأصلة وعميقة الجذور في العالم العربي. وهذا منبعه الصراع على الهوية في المنطقة. فالشرق الأوسط منطقة تعج بصراع الهويات، فهناك العرب الذين تمكنوا بعبقرية من اختراع كذبة وصدقوها، فقسموا أنفسهم إلى عرب عاربة وعرب مستعربة، ليتطور الأمر اليوم إلى مزيد من التقسيمات الفرعية، ليكون هناك عرب الجزيرة وعرب الشمال وعرب الشرق وعرب الغرب. يضاف إلى هذا الكوكتيل العنصر العبري الذي يدعي وجوداً له بقدم المكان نفسه، وهناك العنصر الفارسي وكذلك التركي، ولا يمكن إغفال الكردي ولا النوبي ولا الأمازيغي ولا الفرعوني ولا الفينيقي. كلهم يسعون لأهمية «تأصيل الوجود» في المنطقة بدلاً من قبول الآخر، بل بات الهم والتحدي هو إلغاء الآخر تماماً، هذا كله دون التطرق ولا الدخول في الطبقات والفروقات الدينية والطائفية والمذهبية، فهذا بحث طويل آخر ليس هنا مجاله.
ولعل أبرز وأهم من كتب عن الهوية في العصر الحديث كان الكاتب والروائي الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف الذي قال: «الهوية لا تتجزأ أبداً ولا تتوزع أنصافاً أو أثلاثاً أو مناطق منفصلة». دول عظيمة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل ونيوزيلندا والهند تمكنت من تكوين هوية عريضة فيها احتواء عظيم للمختلف تحت حماية الحقوق والعدل باسم المواطنة بكفالة الدستور والقانون. أما الحديث عن المساواة بين «الناس» من دون قانون ودستور يحمي الشعارات الحميدة تبقى نوايا شريرة سرعان ما يولد عنها ظلم وتفرقة.
العنصرية سرطان الشعوب؛ إذا لم يتم القضاء عليها بقوة القانون ستتحول إلى قنبلة موقوتة متى ما انفجرت ستطال شظاياها كل أطياف المجتمع بلا رحمة، وهي نتيجة بائسة يتحملها الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سرطان العنصرية سرطان العنصرية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon