توقيت القاهرة المحلي 10:37:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرغي والرغي الآخر

  مصر اليوم -

الرغي والرغي الآخر

بقلم - حسين شبكشي

لعل من أشرس وأعنف المواقف هي التي تكون من ردود أفعال لأشخاص فوجئوا بوجود رأي آخر، أو وجهة نظر أخرى مخالفة تماماً لما أفنى عمره مؤمناً بها. وتتحول ردة الفعل من صدمة إلى سلوك عدائي من الممكن جداً أن يتضمن السخرية والإهانة والاستهزاء والاعتداء اللفظي، بل وحتى السباب.

فهو يعدّ هذه المسألة إهانة شخصية حادة وجرحاً عميقا لكرامته؛ لأن ثقته بنفسه قد تم هزّها وزلزلتها بشكل عنيف للغاية.

فهذه النوعية من الناس هي التي تقلق على كرامة رأيها وأفكارها وليس على قيمتها ونوعيتها وجودتها، وهو من الناس الذين سيقضون بقية عمرهم يشعرون بالنقص والدونية كلما وضعوا في الموقف نفسه مجدداً لأن ذات المشاعر السلبية لا بد لها أن تظهر مرة أخرى.

ومع الانفتاح الهائل على العالم الذي وفرته عوالم القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها أصبح لكل أحد الحق في أن يكون له رأي في كل مسألة بغض النظر عن مدى ملاءته المعرفية عن تلك المسألة.

وهذه الظاهرة الهائلة التي لم تسلم أي دولة أو ثقافة منها تحولت حالة من الاستقطاب الحاد والتي باتت غذاءً حيوياً للكراهية والعداء. الاستقطاب كان دوماً موجوداً، فعبارات المؤمن والكافر والوطني والخائن والمحافظ والليبرالي ليست بالجديدة، ولكن ما هو جديد هو زيادة مساحات كل تصنيف وانخفاض معدلات التسامح وقبول الآخر.

هناك كتاب مهم ومفيد وعميق بعنوان أكاديمي بحت وهو: «أسباب وأعراض الاستقطاب الاجتماعي والثقافي: دور المعلومات وتقنية الاتصالات»، وهو لمجموعة من المؤلفين والمحررين، يشرح هذا الكتاب بشكل مهم وبالغ الدلالة كيف تحولت الأدوات التقنية الحديثة للتواصل أسلحة للجهل والتطرف، وولّدت بالتالي ظاهرة الأخبار الكاذبة والحقائق البديلة، وزادت من مساحات الشك والقلق والخوف والذعر الاجتماعي والسياسي.

هناك مقولة تاريخية وخطيرة جداً باتت من أهم ما يتم الاستشهاد به، وهي تقول «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك» لصاحبها جوزيف غوبلز وزير الدعاية النازي خلال حقبة الزعيم الفاشي أدولف هتلر، وبقدر غرابة تلك المسألة، إلا أن الكثير مما يحصل على منصات العالم الافتراضي هو ترجمة حرفية لهذه المقولة المرعبة. شئنا أم أبينا، فإن الكثير من الأنظمة السياسية ورجال الدين بمختلف انتماءاتهم كانوا حريصين على تغذية الاستقطاب بشكل واضح وصريح؛ لأن بقاءهم واستمرارهم كان مبنياً على أساس بقاء الاستقطاب قائماً، فمن دون الخائن لن يكون هناك وجود للوطني ومن دون الكافر لن يكون هناك وجود للمؤمن.

ودائماً ما كانت الدول تلجأ إلى تقديم مبادرات حوارات الأديان أو ندوات الأحزاب أو مبادرات التسامح وقبول الآخر أو جلسات الحوار الوطني من أجل تحسين المناخ العام وتلطيف الأجواء، إلا أن كل ذلك في حقيقة الأمر هو مساحيق تجميل لوجه منهك ومتعب ومرهق، أحبطته حالات الأمل المتكررة وعلامات الواقع المحبط.

تقبل الآخر وشخصيته يكون بتجاوز الانغلاق الذاتي والأنانية، والتقوقع حول الفكر، والعمل على الانفتاح حول الآخرين وتقبل أي نقد بصدر رحب مت دون الدخول في تحدٍ بأن يقتنع الشخص أم لا. وإدراك أن لكل إنسان شخصيته ومبادئه وأن الحياة ليست لنا وحدنا.

المجتمع الفردي المنغلق والقائم على «الأنا»، جعل الشخص يعتقد أن لا أحد غيره يحق له فرض الرأي، فيغتال شخصية الآخر، ويسعى للهيمنة عليه في حال ناقشه أو حاوره وقد يصبحان عدوين.

هذا يلغي الحوار وأهميته، وفن الاستماع للآخر، حتى وإن اختلفت معه، مبيناً أن الأصل هو احترام الرأي، وبناء ثقافة حوار قائمة على معطيات وأسس فكرية، فالاختلاف لا يفسد في الود قضية.

يضاف إلى ذلك أن سهولة الحصول على المعلومة، جعلت كل شخص يعتقد أنه صاحب الرأي الأصح والأهم، وعلى الجميع الاستماع له، أن مواقع التواصل فتحت المجال لانتشار هذه الظاهرة، فكل شخص يشعر أن لديه منبراً يستطيع أن ينظر من خلاله من دون أن يتقبل رأي الطرف الآخر، فضلاً عن ثقافة «الأنا» لديه والغرور وعدم إعطاء الآخرين فرصة للتعبير عن آرائهم واحترامها.

وعلى مبدأ «إذا لم تكن معي إذن فأنت ضدي»، تحتد النقاشات وقد تتطور لمشاكل كبيرة بين الأشخاص، وخلافات شخصية عميقة لمجرد التعبير عن الرأي الآخر.

سهولة الحصول على المعلومة، جعلت كل شخص يعتقد أنه صاحب الرأي الأصح والأهم، وعلى الجميع الاستماع له، ولكن المسألة تحولت من إبداء رأي إلى تفريغ شحنات من الأمراض والعقد والمشاكل النفسية أشبه بقنابل موقوتة متى ما انفجرت ستطال شظاياها أفراد المجتمع كافة بلا استثناء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرغي والرغي الآخر الرغي والرغي الآخر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon