توقيت القاهرة المحلي 19:02:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغباء العاطفي!

  مصر اليوم -

الغباء العاطفي

بقلم - حسين شبكشي

في عام 1995 صدر كتاب في غاية الأهمية بعنوان «الذكاء العاطفي» لمؤلفه الأميركي وعالم النفس الشهير دانييل غولمان، وسرعان ما احتل هذا الكتاب صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في الغرب والعالم وتمت ترجمته إلى لغات عديدة، وأعيدت طباعته مرات كثيرة. والذكاء الاجتماعي كما يعرفه المؤلف هو القدرة على فهم وإدارة عواطفك، بالإضافة إلى التعرف والتأثير على عواطف من حولك من الناس. وأول من استخدم مصطلح «الذكاء الاجتماعي» كان الباحثان جون ماير وبيتر سالوفي، ولكن المصطلح نال شهرته الكبرى مع كتاب دانييل غولمان.

وبالنظر إلى ما يتم طرحه هذه الأيام من مواضيع مهمة ومسائل شائكة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وأسلوب التعاطي معها، يبدو أننا بحاجة ماسة للغاية لإيجاد مصطلح جديد يفسر هذه الحالة المنتشرة، ولعل المصطلح الأنسب لذلك هو «الغباء الاجتماعي».

هناك خلط كبير وهائل وعظيم بين الواقع والتمني في أسلوب وطريقة التعاطي مع ما يطرح من مواضيع للبحث أو لإبداء الرأي. وشتان الفرق بين الواقع والتمني.

مؤخراً أتابع ما يكتب ويتم طرحه بخصوص موضوع «نهاية الولايات المتحدة» و«سقوط الغرب»، وما يشبه ذلك من عناوين تدور في المدار نفسه وتطرح المعنى ذاته. وهذا الطرح ليس بجديد، ولكنه يتم ترديده منذ أكثر من خمسين عاماً على أقل تقدير. وتم نشر عشرات من الكتب الأكاديمية والشعبوية التي تتبنى الطرح نفسه.

وفي السابق تم استدعاء عدد مهم من الأحداث المحورية للاستشهاد بها كدليل دامغ ويقين مؤكد أن ما يحصل هو تأكيد على نهاية أميركا. أحداث مثل الركود العظيم أو حرب فيتنام، فضيحة ووترغيت، انتشار الجريمة وتفشي المخدرات.

والآن، يتم استحضار حراك اليسار المتطرف، تحديداً ما يتعلق بموجة دعم الشذوذ والمتحولين جنسياً بشكل مستفز ومخيف ومقلق يعارض بشكل واضح الخيارات وحرية الرأي، وفيه جبروت واضح ضد الأسرة وحقها بحماية الأطفال فيها.

وهي مسألة محورية وفي غاية الأهمية وتستدعي بحثها والاهتمام الكبير بها للتعامل معها بقوة. ولكن هذه المسألة لا ينبغي أن تشغلنا عن رؤية المشهد بشكل تاريخي وموضوعي ودقيق. الولايات المتحدة سبق لها أن خاضت تحدياً وجودياً في منتهى الأهمية والخطورة؛ تمثل ذلك في الحرب الأهلية المدمرة، التي هددت بالقضاء على الدولة نفسها وتقسيمها إلى دولتين. عادت بعدها أميركا أكثر قوة وتماسكاً وتفوقت على غيرها من الأمم بشكل كبير.

هناك كتل سياسية وشعبية تتحرك اليوم في الولايات المتحدة لمواجهة اليسار المتطرف وتعد العدة لذلك، حراك ديني ومحافظ ورأسمالي يسعى للحفاظ على «قيم الأسرة والأخلاق والعادات المجتمعية»، وهذا تيار مهم ويتصاعد نفوذه.

دوران الأمم بين الصعود والأفول سنة كونية، لأن دوام الحال من المحال كما تعلمنا صفحات التاريخ باستعراضها إمبراطوريات مختلفة سادت ثم رحلت.

ولكن تبسيط الأمور والاستخفاف بها والاعتماد عن قناعة بأن الولايات المتحدة الأميركية في طريقها الآن إلى الزوال نوع من المخدرات المذهبات للعقل.

فهذه الدولة هي التي لا تزال القوة العسكرية الأولى والقوة الاقتصادية الأولى وصاحبة العملة الأقوى وبها أهم المراكز التعليمية والصروح الطبية وأكبر مراكز البحوث والتطوير وصاحبة أكبر عدد من براءات الاختراعات المسجلة في العالم.

وهذا الأسلوب يذكرنا بالطريقة التي كان يتم فيها التعامل والتعاطي مع أي أطروحة علمية تناقض الموروث الديني أو الاجتماعي، فيتم تجنيد الآراء والأصوات الكثيرة لاغتيال شخصية صاحب هذه الأطروحة والطعن في دينه وأخلاقه، وبالتالي إفقاد أي جدارة أو مصداقية للمادة العلمية التي طرحها وإدخال كل ذلك تحت بند «أعوذ بك من علم لا ينفع».

تحليل المواضيع بشكل علمي وموضوعي وعميق بعيداً عن السطحية والعاطفة والشعبوية هو الذي يمنح الطرح الاحترام والمصداقية، أما غير ذلك فلا يمكن أن يؤخذ بجدية مهما كان ظاهره مقنعاً وحماسياً.

وبالتالي يبدو لنا جلياً أن طغيان الغباء الاجتماعي هو الذي ولد الأرضية المناسبة لطرح كم مهول من الآراء والانطباعات والأماني وتقديمها على أساس أنها طرح علمي جدير بالانتشار، ويساعد في ذلك تقنية حديثة على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الهراء ينتشر في لمح البصر.

البحث عن الحقيقة يتطلب جدية ووقتاً وجهداً، فحتى هذه اللحظة لم يخترعوا تطبيقاً لعمل ذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغباء العاطفي الغباء العاطفي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية
  مصر اليوم - نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon