بقلم: حسين شبكشي
فرحة عارمة اجتاحت مناصري الحراك الاحتجاجي في هونغ كونغ بعد اكتساحهم الهائل لنتائج الانتخابات البلدية وفوز مرشحيهم ضد مرشحي الحكومة المركزية في بكين، ما تسبب في إحراج شديد لكاري لام الحاكم التنفيذي للمقاطعة والمعيّن من قِبل الصين.
هذا الخبر ذكّرني بما قاله الكاتب الأميركي المهم جورج فريدمان من أن استراتيجية أميركا مع الصين لن تكون بالمواجهة المباشرة، ولكن عبر تأصيل الروح الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية مع «المقاطعات» ذات الوزن الاقتصادي بعيداً عن الثقل السياسي المؤثر للقرار المركزي في بكين.
هناك قناعات (تؤيدها إحصائيات) بأن الديناميكية التي تولدت بشكل إبداعي مذهل خلال ثنائية التقنية الرأسمالية أدت إلى تقصير الزمن الذي تستغرقه أي دولة للتنمية، وبالتالي الوصول إلى مستوى محترم من الرخاء. استغرقت بريطانيا أكثر من 58 عاماً لمضاعفة ناتجها القومي (بعد عام 1780)، والولايات المتحدة استغرقت 47 عاماً لتحقيق الشيء نفسه (بعد عام 1840)، واليابان استغرقت 33 عاماً لإنجاز الهدف نفسه (بعد عام 1880)، وإندونيسيا استغرقت 17 عاماً لإنجاز ذات الهدف (بعد عام 1965)، وكوريا الجنوبية استغرقت 13 عاماً لإنجاز الهدف (بعد عام 1970)، وأخيراً الصين احتاجت إلى 10 أعوام لتحقيق المطلوب وذلك منذ عام 1978.
والنمو بأرقامه الواضحة وضيق الفجوة الزمنية لتحقيقه أظهر شيئاً آخَر لافتاً جداً تحديداً في الدول الثماني المؤثرة اقتصادياً في منطقة شرق وجنوب شرقي آسيا، فهي لم تشهد نمواً اقتصادياً كبيراً فحسب، ولكنها أظهرت أيضاً أنها بإمكانها أن تقضي بشكل هائل وقابل للقياس على علّة الفقر.
ففي إندونيسيا انخفضت نسبة الناس المحسوبين تحت خط الفقر من 58% عام 1972 إلى 17% عام 1982. وفي ماليزيا انخفضت النسبة من 37% عام 1973 إلى 14% عام 1987. وفي تايلاند انخفضت من 49% عام 1962 إلى 26% عام 1986. وفي سنغافورة هبطت من 34% عام 1972 إلى 10% عام 1982، كل ذلك جاء معه توسع عريض في المنظومة الحقوقية والإعلام والأنظمة الدستورية وحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.
أميركا تراهن وبقوة على انتشار القيم الليبرالية والرخاء الذي تمنحه المنظومة الرأسمالية، وهي سلة الوعود المهمة التي لا تستطيع أن توفّرها الصين بنظامها الشيوعي الشمولي. هونغ كونغ والحراك الحاصل بها والنتائج «الديمقراطية» للانتخابات الحاصلة فيها هي بروفة ومقدمة لما ترغب في إنجازه أميركا بحق الصين (تماماً كما أنجزته مع تايوان التي «كانت» جزءاً من الصين ولكنها سياسياً لا تشبهها في شيء اليوم). الحرب التجارية ليست هي المواجهة الدائرة الوحيدة بين الصين وأميركا اليوم، ولكن هناك حراك «سياسي» في غاية الأهمية يحصل، وقد يحدد «شكل» الصين المستقبلي.
المعركة تم إطلاق الرصاصة فيها والصين تدرك ذلك تماماً، فالقمع بالقوة لن يكون مقبولاً والصبر الصيني أمام الرغبة في الحقوق والديمقراطية لن يكون سهلاً.