توقيت القاهرة المحلي 10:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أهمية ما يحصل في لبنان

  مصر اليوم -

أهمية ما يحصل في لبنان

بقلم: حسين شبكشي

هل الجماهير والجمهرة دوماً على حق؟ سؤال فلسفي عميق تباحث فيه جهابذة العلوم السياسية من أفلاطون إلى مكيافيللي مروراً بابن خلدون وجون هوبز.
مراجع العلوم الاجتماعية والسياسية مليئة بنقد نظريات الجماهير، التي لها علاقة بالثورات، وهناك آراء من قبل مكيافيللي وجون هوبز تفيد بأولوية الاستقرار مهما كان الحكم قاسياً، لتبقى الأولوية في مواجهة فوضى مفتوحة وعارمة قد تؤدي إلى دمار، وتؤذي الحلقات الضعيفة والفقيرة دون دور توجيهي من النخبة كما حصل في الثورتين الأميركية عام 1776 والفرنسية في 1789، إلا أن التحذير يفشل حينما يتم الاستشهاد بما حدث في الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 والثورة الإيرانية في 1979 اللتين جاءتا بنظم شمولية شيوعية وطائفية متوحشة. ولذلك من المهم جداً التمعن فيما يحصل في لبنان هذه الأيام ومحاولة فهمه بعمق.
إن الشعوب من الجائز أن تتعايش مع المعاناة وصعوبات المعيشة والظلم تحت شعارات مثالية وحالمة تبشر بغد وردي جميل. من الممكن أن يقبلوا أن يكونوا منقادين باسم الحماية والأمن والمحافظة على البقاء الرمزي، بل وحتى على الحياة نفسها.
من الممكن أيضاً أن يتعايشوا مع قيادات ورموز وأيقونات تاريخية لهم (بشقيها السياسي والروحي) مع فجورهم ونفاقهم، وهم ينعمون بالرخاء ورغد العيش بينما هؤلاء الشعوب يعيشون في ملجأ أو فندق رخيص على أقل وأفضل تقدير ووصف.
ومن الممكن المسايرة والتعايش مع زعاماتهم التي هي أشبه بدويلات أو جزر متفرقة لا رابط بينها وكأنها مخيمات لها عمر افتراضي على ذات الأرض.
ومن الممكن أن يتعايشوا مع أي ظرف سواء أكان منطقياً أو عقلانياً أو غير ذلك فقط لتستمر الحياة، أياً كان شكل هذه الحياة. إلا أنه مع هذا المشهد تولد «اللحظة»؛ لحظة بلا ملامح ولا مقدمات، لحظة بلا شبيه، لحظة تخرج من رحم المجهول، لا يمكن توقعها ولا التنبؤ بها ولا تصور وقت خروجها. إنها اللحظة التي يتساوى فيها افتقاد كل شيء مع خسارة كل شيء. إنها لحظة يتساوى فيها اليأس مع الأمل والموت مع الحياة. إنها اللحظة التي تتغير فيها الحسابات عندما يفقد الإنسان فيها أي منافع وإغراءات تستحق الحياة.
الفيلسوف العبقري الألماني هيغل له كلمة مهمة في ذلك الأمر تقول إن «كل أحلام البشر وأمانيهم وأفكارهم وعلاقاتهم ومعتقداتهم وأعمالهم... كل هذه وغيرها تصب في بحر المنفعة». لبنان كان دوماً قصة نجاح «أفراد» وقصة فشل «مجتمعي»؛ لأن المجتمع كان منفصلاً عن واقعه في جزر بعيدة. اليوم هناك طوفان وهناك سفينة نوح، ولكن الطوفان هو إبقاء الوضع على ما هو عليه والسفينة هي التغيير والإصلاح. عندما يفقد شعب كامل المنفعة في دنياه، تخرج وتطفو على السطح كوابيسه وإحباطاته وهمومه وأحلام مستقبله المعلقة والمؤجلة للأبد ورغد عيشه المأمول ورخاؤه المنتظر ومطالبه المجمدة وأحلامه المحنطة كافة. يخرج إلى الميدان والشوارع والأزقة ويلتقي بوجوه كانت تصنف في خانة الأعداء والمخالفين.
عداوات تم تهييجها عبر سنوات من زراعة الشك والريبة والقلق والخوف، وتكريس كل ذلك في العقول والقلوب والنفوس؛ ليكتشفوا فجأة في هذه اللحظة السحرية العجائبية أنهم يدعسون معاً على كافة الخرافات والخزعبلات التي فرقتهم، وأنهم معاً ينشدون الشيء نفسه؛ المنفعة المحترمة المطلوبة، وأنهم جميعاً لديهم الحلم نفسه ويشبهون بعضهم بعضاً في انتماءاتهم المعنوية التي لم يعد لها نفس المعنى.
تلك المعاني روّج لها بشكل مقدس وتحولت مع مرور الوقت إلى جدار من الصلب حول العيون والعقول والقلوب منعهم عن بعض، ورؤية الحق، ومنعهم من حياة طبيعية بسيطة سهلة عقلانية يتقاسمون فيها اللذة في العيش الكريم المشترك وخيرات المنفعة التي يحلمون بها.
لبنان كان مضرباً للأمثال في الطائفية والتقسيم، ما يحصل اليوم هو رمزي ولم يكتمل... هو انتقال من خرافات غيبية كدولة الفقيه ودولة الخلافة ودولة المخلص إلى دولة المواطنة، وصولاً إلى دولة مدنية متكاملة قابلة لأن يكون فيها القانون فوق الجميع، ولكنه على الجميع وللجميع، ووقتها سيكون «تعمّر» لبنان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أهمية ما يحصل في لبنان أهمية ما يحصل في لبنان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon