توقيت القاهرة المحلي 08:59:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صناعة السياسة والتاريخ!

  مصر اليوم -

صناعة السياسة والتاريخ

بقلم: حسين شبكشي

يمتلئ التاريخ بسلسلة طويلة من الأسماء المهمة والمؤثرة التي لعبت دوراً خطيراً في صناعة المشهد السياسي، فكانت كما أُطلق عليها لاحقاً «صانع الزعماء». وفي التاريخ القريب لعب الإنجليز دوراً مهماً في توزيع أدوار لافتة لمؤثرين منهم في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط منه تحديداً.
مع تشقق أعمدة حكم السلطة العثمانية وترهلها بعد أن شاخ الحكم فيها، بدأ الحراك البريطاني الفرنسي لاستغلال مشهد السقوط الحتمي للدولة العثمانية وصناعة واقع جديد على الأرض. وهنا بدأ الحراك البريطاني ولمعت أسماء مثل لورانس وفيلبي وبلغريف. كلٌّ يحاول فرض نظريته على القوى الصاعدة في المنطقة والحصول على الدعم المطلوب من الخارجية البريطانية.
ثم جاءت حقبة أكثر تطوراً ونضوجاً من صناع الملك بعد هيمنة المرحلة الأميركية على المشهد السياسي العام، فظهر كلٌّ من المهاجر الألماني الأصل هنري كيسنجر، الذي أحدث انقلاباً مهماً في السياسة الخارجية الأميركية وكان من أهم الشخصيات المؤثرة (والمثيرة للجدل في آن) في تاريخ السياسة الأميركية، وإليه يُنسب الفضل في كسر الحاجز النفسي الذي فتح العلاقات الطبيعية مع الصين الشيوعية، وأيضاً كان أول من زرع فكرة السلام بين مصر وإسرائيل. وفي كتاب جديد عنه بعنوان: «حتمية المأساة: هنري كيسنجر وعالمه» يقدم المؤلف باري غوين سرداً مهماً عن سيرة الرجل وتناقضات سياساته في كونه اتخذ قرارات سياسية مهمة حتى ولو على حساب القيم الأميركية العليا كما حدث مع دعم انقلاب بينوشيه العسكري على الليندي المنتخب ديمقراطياً، ولكنه حسب كيسنجر (كان شيوعياً وخطراً على المصالح الأميركية مما استدعى الخلاص منه).
لم يكن هذا الكتاب الوحيد الذي بحث في جدلية قوة تأثير هنري كيسنجر على السياسة الأميركية ولكن تصدى لنفس الموضوع سيمور هيرش في كتابه المهم «ثمن القوة»، ووالتر إيزاكسون في كتابه «كيسنجر: قصة حياة». ولم يكن هنري كيسنجر هو السياسي الأميركي الوحيد المنتمي لقماشة السياسي المثقف، فهناك أيضاً زبيغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأسبق في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر، هو أيضاً من أصول وسط أوروبية، وتحديداً من بولندا، وكان يُعرف بفكره الاستراتيجي الاستباقي، فهو توقّع «مآلات» الأمور التي وصل إليها حال الاتحاد السوفياتي والصعود الصاروخي المثير للتنين الصيني، ولكن الأهم أنه قرأ أثر التطور التقني على المجتمعات والسياسة في كتاب قديم له وغير معروف كتبه منذ أكثر من أربعة عقود، كأنه يصف الحال الذي نعيشه اليوم.
كان رجلاً فائق الذكاء وحادّ العبارة واختار فريقه بعناية ومهارة ودهاء، واختار أفراد فريقه بعناية شديدة مع ميل لمن هم من أصول أوروبا الشرقية، وكان من ضمن الفريق مادلين أولبرايت التشيكية الأصل التي أصبحت لاحقاً أول وزيرة للخارجية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
ومع انطلاق أحداث الربيع العربي بدأ الظهور المريب لاسم الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي برنارد هنري ليفي، وأخْذ مقالاته وتعليقاته على أحداث المنطقة وكأنها المرجع الأخلاقي والسقف السياسي لطموحات الحراك. والرجل له عدد كبير من المؤلفات المتنوعة في مواضيعها وعناوينها، فكتبه حملت عناوين مثل: «عبقرية اليهودية»، و«الإمبراطورية والملوك الخمس»، و«مَن قتل دانيال بيرل»، و«سارتر»، و«الفيروس في عصر الجنون». ظهر الرجل أخيراً في ليبيا وتحديداً في منطقة نفوذ حكومة الوفاق والميليشيات المدعومة تركياً وصرح بأنه جاء لدعم «ليبيا». وظهوره في المنطقة المشبوهة يجيب عن أسئلة كثيرة جداً عن غموض موقفه وإظهاره كصوت الربيع العربي في الغرب.
صناع الزعماء لا يزالون بيننا ولا يمكن أن يظهروا أنهم ملكيون أكثر من الملك، وهذا ما فعلوه ولا يزالون من أيام لورانس وصولاً إلى برنارد هنري ليفي.
برنارد هنري ليفي كاتب مجتهد له باع طويل في الدفاع عن الحريات، ولكن أتمنى ألا نغفل أنه يأتي ليقنعنا بأنه ليبي أكثر من الليبيين أو كردي أكثر من الأكراد.
دائرة التاريخ تعود وتكرر نفسها مع نفس المشاهد ولكن بأسماء جديدة ويبقى الغافل الذي لا يستفيد ويعي ويتعلم من دروس التاريخ. صناعة السياسة لعبة مغرية تجذب إليها كل من له الهوس بصناعة المجد الشخصي لدخول التاريخ بوصفه أحد صانعيه دونما النظر للتكلفة والفاتورة الأخلاقية الناتجة عن ذلك الأمر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة السياسة والتاريخ صناعة السياسة والتاريخ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 04:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
  مصر اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon