بقلم: حسين شبكشي
تابعت كغيري من الناس وقائع قمة السبع التي انعقدت أخيراً في فرنسا، وكانت الكلمة التي تدور في ذهني هي «الاستعمار»، فهناك دول لا تزال تتعامل مع العالم من خلال إرثها الاستعماري القديم، ولم تدرك يقيناً أن العالم تغير تماماً.
دول مثل بريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا وإيطاليا، كل منها كان لديها مشروعها الاستعماري العريض، «وهناك دول غائبة، هي إسبانيا والبرتغال وهولندا أيضاً»، حتى أميركا كانت هي الأخرى صاحبة مشروع استعماري، ولكنه مختلف جداً.
هل انتهت الظاهرة الاستعمارية فعلاً؟ من الممكن طرح هذا السؤال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في محيطه الاستعماري، وكذلك تقلص مساحات الدول التي سيطرت عليها الدول الاستعمارية التقليدية، وهناك من يؤكد أن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين ما هي إلا مشروع استعماري عريض وطموح، ولكنه تم الترويج له بصيغه اقتصادية بحتة، ولكن الصين لا تقوم بالدور الإنمائي المطلوب منها كدولة عظمى لها طموحها التوسعي تماماً، كما تؤديه أميركا واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي، عبر صناديقهم التنموية المختلفة، وهو الاتهام الصريح الذي وجّهه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى الرئيس الصيني تشي، متهماً إياها بالتقصير في تحمل العبء التنموي الدولي.
ولتظهر لنا الأيام مع الوقت أن الصين أصبحت «عالة» و«عبئاً» على الدول النامية التي تغرقها بالديون الهائلة حتى «تستولي» على أصولها، بعد فشلها في سداد التزاماتها وديونها المالية، «وهي تهمة ليست بعيدة كثيراً» عمَّا تقوم به المؤسسات المالية من العالم الغربي بحق الدول النامية، وتحديداً سياسات صندوق النقد الدولي. واليوم هناك مشروعات «استعمارية» في الشرق الأوسط لا يمكن إغفالها، ولها تأثير واضح، ولا يمكن إغفاله. مشروع الخلافة العثمانية، الذي تقوده تركيا وتبسط به نفوذها على مناطق النفوذ التركي التقليدي في دول آسيا الوسطى وبعض الدول الإسلامية والعربية. وهناك المشروع الإيراني، وهو مشروع طائفي خبيث يتخذ المعنى السامي لفكرة المقاومة لنشر ثورة طائفية بوسائل إرهابية، ويقوم بالانتشار عبر احتلال عواصم عربية باستغلال ميليشيات إرهابية. وهناك محاولة نشر إمبراطورية روسية مجدداً بقيادة بوتين المهووس بالمجد الروسي القديم، والمتحرك من خلال الدافع الشخصي لهزيمة المعسكر الغربي، الذي بحسب رأيه أهان الروس. وهناك مشروع إسرائيل المغلف بالأساطير التوراتية القديمة، والذي لا يزال حياً إلى اليوم.
هناك مشروعات استعمارية مختلفة، منها ما لفظ أنفاسه الأخيرة، ومنها ما يحاول النهوض من الموت. والسؤال الذي سيكون مهماً التمعن فيه... الاستعماريون الجدد (الصين، أميركا، روسيا) كيف سيرقصون رقصات الموت بين تعاون «شكلي» ونوايا عدائية مبيّتة، وخصوصاً أن الجائزة التي يتسابق عليها الجميع هي واحدة، وهي السيطرة على العالم بأسره؟
يعيش العالم اليوم فصلاً جديداً من حلقات الإمبراطوريات التي هي أشبه بسباق التتابع، تتلاحق فيها العصي من يد إلى يد، ويتم فيها تبادل المراكز. خط النهاية يقترب، وهناك متصدر جديد في الطريق.