توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كل الحقيقة؟

  مصر اليوم -

كل الحقيقة

بقلم: حسين شبكشي

هل «كل» ما نراه يحصل أمامنا في عوالم السياسة والاقتصاد يمثل «كل» الحقيقة؟ لعل هذا السؤال هو السؤال المحوري الأهم الذي شغل علماء الاجتماع وباحثي التاريخ عبر السنين. هذا السؤال يستحق الطرح في الشرق الأوسط تحديداً مع الصعود المتزايد لنفوذ كل من روسيا وتركيا. ولكن ما يبدو أنه في ظاهره تنسيق وتناسق وانسجام بين البلدين، تدعمه وتؤيده الاجتماعات الودية المليئة بالصور المبتسمة واللقطات المبهجة، إلا أن التاريخ يقول لنا شيئا آخر مختلفاً تماماً، وهذه مسألة مهمة لأن البلدين يقودهما زعيمان يستمدان أحلامهما من خلفية تاريخية عميقة.
المشهد المتطور في ليبيا هو أشبه بمن يشاهد حادثة تصادم بين شاحنتين عملاقتين وجهاً لوجه بالسرعة البطيئة. روسيا اليوم هي لاعب حيوي ومؤثر جداً في الساحة الليبية (وهو يعيدنا بالذاكرة لدورها في المشهد السوري وقت تدخلها)، هناك اتهام من مجموعات غربية بقيادة فرنسا وإيطاليا لروسيا بأنها زرعت (مجموعة فاغنر) المسلحة والمدججة بالسلاح النوعي، وذلك دعماً لقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، فالروس يرغبون في أن يكون لهم موضع قدم أخرى على ساحل المتوسط (بعد وجودهم في سوريا)، وبوجودها في ليبيا سيزداد تأثير نفوذها على أوروبا والتحكم أكثر في موارد الطاقة لها.
تركيا تساند قوى «الإخوان المسلمين» في ليبيا الموجودة في طرابلس، ولكنها كانت قد بدأت في «التدخل» اقتصاديا في ليبيا منذ عهد القذافي وارتبكت بعد سقوط نظامه لأنها استثمرت مبالغ ضخمة معه، ولكن صعود فصيل «الإخوان المسلمين» في ليبيا أعاد إليها الشهية للتدخل بشكل أقوى. ولكن روسيا وتركيا على عداء تاريخي هائل وعظيم، رأينا ملامح له في المواقف المتباينة في سوريا والتي نتج عنها إسقاط طائرة مقاتلة روسية من قبل الأتراك واغتيال السفير الروسي في أنقرة على يد تركي مسلح. هذه المشاهد ما هي إلا نزهة في حديقة لما يرويه التاريخ عن الصراع الروسي العثماني، فهناك شلالات من الدماء والصراع بينهما.
واضح جداً أن هناك «الخلافة الدينية» وهي الحلم الفاصل لهما! إردوغان يحلم باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وبوتين يحلم بروسيا القيصرية وإمبراطوريتها الكبرى مجدداً. والشيء الذي يربط الحلمين هو علاقته بالدولة أو تحديداً بالإمبراطورية البيزنطية التي كانت في يوم من الأيام يصل مجدها إلى الحاضرة المدنية في العالم القديم. وعندما قام الصراع بين روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية كان السؤال الخفي الذي يدور حوله هذا الصراع هو: من له الحق في أن يرث مجد الإمبراطورية البيزنطية؟
سلاح كل من الطرفين هو الدين؛ فإردوغان يروّج للإسلام السياسي وبوتين يدعم الأرثوذوكسية المسيحية. وكل منهما يريد لبلاده أن تكون المركز لمشروعه. بعد أن تم فتح القسطنطينية (إسطنبول اليوم) أطلق محمد الفاتح على نفسه اسم «محمد قيصر الروم» في إشارة إلى أنه مجرد قيصر آخر مثله مثل قسطنطين من قبله الذي حول بيزنطة من الوثنية إلى المسيحية ليجيء محمد الفاتح فيحولها من المسيحية إلى الإسلام. وروسيا القيصرية الأرثوذوكسية لم تنس ذلك، فهي دائماً ما ظلت تعتبر نفسها الوريث الحقيقي والوحيد لعرش الإمبراطورية البيزنطية، وتاريخياً هي التي تحركت عسكرياً وبكل قوتها لحماية الأرثوذوكس واستعادة القسطنطينية من «أيدي المحتل والمغتصب العثماني» بحسب تعريفهم للوضع القائم وقتها ليكون ذلك نقطة الانطلاق للحروب في المنطقة.
الروس لديهم حلم قديم هو استعادة السيطرة على إسطنبول لما فيها من رمزية عظيمة لبيزنطة الكبرى ومركز الأرثوذوكس الأهم في العالم، وهي «تستغل» طموح وأحلام إردوغان لصالح مشروعها. قديما تقاسم العثمانيون وروسيا القيصرية شعاري بيزنطة بعد سقوطها (لتأكيد أحقيتهما بإرثها). أخذت الدولة العثمانية شكل الهلال والنجمة البيزنطية (في الإرث البيزنطي كان الهلال هو رمز الإلهة ديانا والنجمة هي رمز للسيدة العذراء). روسيا أخذت شعارا آخر من الإرث البيزنطي هو النسر ذو الرأسين الذي يرمز للإطلالة على مشرق الكون وغربه.
الصراع التاريخي بين المشروع التاريخي للعثمانيين والقياصرة مرشح للتصادم في مواقع كثيرة في العالم العربي، ليست سوريا أولها ولن تكون ليبيا آخرها. إردوغان يستغل بوتين لتوسيع نفوذه العسكري أمام المعسكر الغربي المتحفظ عليه، وبوتين يستخدم إردوغان لتحقيق حلمه التوسعي باختراق المعسكر الغربي.
أحلام شخصية ثمنها أرواح الملايين. ليس كل ما نراه هو كل الحقيقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل الحقيقة كل الحقيقة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon