بقلم: حسين شبكشي
الرواية المفضلة من الأدب الروسي الثري جداً بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي «سوار العقيق»، وهي من تأليف ألكسندر كوبرين، وهو أقل شهرة من الكتّاب الروس الكبار من أمثال تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف وبوشكين ونيقولاي غوغول. الرواية قصيرة ولكنها، وحسب بوتين في وصفه لها، رواية تبرع في الإنسان وتتعمق فيه، وفي جوانب الروح التي تركز عليها، وهذا سر تفوق كوبرين على غيره. القصة رواية مفعمة بالرومانسية والجوانب الرقيقة والأسلوب الشاعري المليء بالتضحية وموسيقى بيتهوفن.
وتأتي هذه المعلومة كمفاجأة لمن يحكم على بوتين بوجهه السياسي فقط، فهو شخصية مركبة وعميقة، فلاعب الجودو ولاعب هوكي الجليد وصياد الدببة هو أيضاً عازف بيانو بارع، يعشق تشايكوفسكي.
روسيا اليوم هي مرآة لشخصية الرئيس بوتين نفسه. بوتين كان جزءاً من الاتحاد السوفياتي قبل أن ينهار، وشهد تناوب القيادات التي شاخت حتى وصول غورباتشوف وتفكك المنظومة السياسية بعده. بوتين وطني روسي معتز بتاريخ روسيا العميق، ولذلك كان أهم ركائز حماية الرئيس بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم حكم بعده ووضع نظاماً اقتصادياً يعتمد فيه على اقتصاد الدولة، وبالنسبة إليه هو نظام يودّع فيه الشيوعية وينفتح به على الرأسمالية ولكن بتحكم سيادي، ولذلك تبقى الشركات الروسية الكبرى هي ملك للدولة أو لها فيها الحصة العظمى.
بوتين يتصرف كسياسي وطني لديه رغبة شخصية ودافع عميق «لرد الاعتبار» لبلاده، وهو يسعد برؤية «آثار» سياسته في أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط.
سياسياً وعسكرياً حقق الرئيس بوتين إنجازات تُحسب له، تحديه الأكبر اقتصادي، فالاقتصاد الروسي لا يزال أصغر من الاقتصاد الإيطالي. قوته في النفط والغاز والذهب والماس والحديد والقمح والسلاح والطاقة النووية، إلا أنه يدرك تماماً أنه لا بد لطموحه السياسي العريض لروسيا أن يتحقق، فذلك مشروط بأن يصاحبه اقتصاد واسع ومتنوع وقوي.
بوتين لديه القناعة الشخصية بأنه «وحده» يمتلك مفتاحاً لفتح أبواب الحلول لمشكلات الشرق الأوسط المعقدة، فهو يردد أنه وحده لديه علاقات قوية مع الأطراف جميعها؛ من دول الخليج إلى إيران وصولاً للعراق وسوريا ومصر وفلسطين، بل إنه يغامر بأن اللوبي الروسي في إسرائيل بات القوة السياسية والاقتصادية الأكثر تأثيراً فيها، وأن «لديه» مليوناً وثلاثمائة ألف إسرائيلي من المهاجرين الروس يتحدثون الروسية فيما بينهم، وبالتالي فإن اللوبي الروسي في إسرائيل له وزنه ومن الممكن أن تعلب روسيا دوراً في عملية السلام بين العرب وإسرائيل.
مر الاتحاد السوفياتي بملامح طُبعت بمن يحكمه، حقبة لينين وستالين وخروشوف وصولاً إلى غورباتشوف، والآن هي حقبة روسيا بوتين. كل ملامح وشخصية وأحلام وهواجس الرجل تنعكس على السياسة الروسية. سمات الحالم الوطني والاستخباراتي والمحقق والشكاك الذي يطمئن بعد أن يختبر، تصنع شخصية أحد أهم ساسة الوقت الراهن، وهو لديه قناعة أن الغرب التقليدي إلى أفول وأن هناك قوى جديدة تصعد وحلفاً جديداً يتكون ترعاه روسيا تحت اسم أوروآسيا، وهو خليط من دول ذات توجه جديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وهو نفس الرجل الذي تمكن من أن يشكِّك الأميركان في منظومتهم السياسية ويتحالف مع الصين ويصبح أهم مورّد للطاقة لها. إنها حقبة بوتين قبل التفكير في روسيا بعد بوتين.