توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزرار التحكم... والسيطرة!

  مصر اليوم -

أزرار التحكم والسيطرة

بقلم - حسين شبكشي

قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بسنة واحدة، وتحديداً في الشهر السادس من عام 1944، انعقد مؤتمر في فندق جبل واشنطن بمنطقة بريتون وودز في ولاية نيوهامشير بأميركا، حضر المؤتمر، الذي عُرف بعد ذلك تاريخياً، بـ«مؤتمر بريتون وودز»، 44 دولة. كان الهدف الأساسي من المؤتمر، بحسب ما أُعِلن وقتها، هو وضع خطة اقتصادية كبرى لوضع العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يتضمن التعاون الاقتصادي الدولي وإعادة الإعمار، ونتج من هذا المؤتمر ولادة مؤسستين عملاقتين، هما «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي». وكان ذلك الأمر أولى لبنات لما عرف وقتها بالنظام العالمي الجديد.

والمؤسستان العملاقتان لا تخضعان للأسس الديمقراطية التي عُرفت عنها الدول الغربية المسيطرة على القرار فيهما، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية صاحبة القوة الأكبر نفوذاً وتأثيراً، فرئاسة كل مؤسسة منهما لا تتم بالانتخابات وإنما بالتعيين، وجرى العُرف أن يرأس البنك الدولي شخصية أميركية ويرأس صندوق النقد الدولي شخصية أوروبية، يتم اختيارهما بشكل أساسي من قِبل أميركا، وهناك شُح كبير في تطبيق الشفافية والحوكمة فيهما.

وعبر السنوات التي تلت بداياتهما لم يكن غريباً اكتشاف حالات كثيرة جداً؛ إذ تم توظيف قرارات المؤسستين لتتماشى مع توجهات سياسية محددة ومصالح استراتيجية معينة للمعسكر المسيطر على القرار فيهما.

فبات من المعتاد رؤية دول تنهار تحت ركام الديون وأعباء القروض ومهالك التضخم وتتحول دولاً منتهية الصلاحية وفاقدة السيطرة على قدراتها ومواردها، وهناك عدد كبير من الأمثلة لدول في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا يؤيد هذا الكلام بشكل أكيد وموثق.

وبالتالي، تم اعتبار هاتين المؤسستين إحدى أهم «الأسلحة الاستراتيجية» الموجودة في ترسانة الغرب، وأصبحتا إحدى أهم أدوات الغرب للتأثير والاستعمار الجديد بأكبر قدر من الفاعلية، وبأقل قدر من الأضرار.

يضاف إليهما القوة غير المسبوقة للعملة الأميركية (الدولار)، والتي تحولت مع الوقت عملة تجارة واستثمار وتحويلات العالم غير الرسمية؛ مما منح الولايات المتحدة الأميركية بعداً غير تقليدي لقوتها السياسية عن طريق بوابة المال، وهي بذلك تتفوق على النماذج الغربية التي سبقتها مثل الشركات الهولندية أو شركة الهند الشرقية التي كانت تتبع للتاج البريطاني.

كنت مؤخراً مع مصرفيّ عربي مرموق ومخضرم، عمل مع عمالقة الصيرفة العالمية، وكنا نتباحث في مختلف المواضيع السياسية والاقتصادية وكان تعليقه اللافت هو: «ما دامت أزرار التحكم والسيطرة في أيدي أميركا ستبقى هي القوى الأعظم»، وتوسع في شرح مقصده بقوله: «عندما أقدمت تركيا، وهي العضو في حلف الأطلسي بالتهديد على شراء الصواريخ الروسية كان الرد الأميركي هو إنهاك الاقتصاد التركي وتدمير الليرة، ووصلت الرسالة من دون إطلاق رصاصة واحدة، والشيء نفسه حدث مع الصين والتي كان صعودها ونموها الهائل يهدد الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة على العالم؛ فقامت برفع عنيف للفائدة مما كان ترجمته العملية عدم قدرة أسواق مستهلكي المنتجات الصينية من شراء احتياجاتها منها وانهيار الشركات العقارية الصينية نتاج ذلك، وبالتالي أصاب الصين ركود وتباطؤ اقتصادي لم تألفهما من قبل».

هناك كتاب مثير ومهم يوضح هذه المشاكل بشكل أدق، وهو «اعترافات قاتل اقتصادي» بقلم جون بيركنز... يمثل قتلة الاقتصاد مجموعة محترفة من الخبراء الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة في مقابل خداع بهدف ابتزاز تريليونات من الدولارات. يوجِّه أولئك الـ«قتلة» الأموال من البنك الدولي، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إلى جانب مؤسسات إغاثة أجنبية أخرى، إلى خزائن وأرصدة حلقة ضيقة من كبريات الشركات التي تتحكم بمصير ثروات العالم. تشتمل أدوات أولئك القتلة على تقاريرَ مالية مزيفة، وانتخابات مزورة، ودفع الأموال، والابتزاز، والرذيلة، عدا عن القتل. إنهم يمارسون اللعبة القديمة، لكن مع أبعاد جديدة ومرعبة ضمن عصر العولمة. يكشف الكتاب عن جملة من المؤامرات الدولية في إقناع البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة بقبول قروض ضخمة لتطوير البنى التحتية، والتأكد من التعاقد مع الشركات الأميركية على المشروعات المربحة. وبعد أن تمسي مثقلة بالديون الضخمة، تخضع هذه البلدان تحت سيطرة حكومة الولايات المتحدة والبنك الدولي ووكالات المعونة الأخرى التي تهيمن عليها الولايات المتحدة التي تملي شروط السداد وتهيمن على القرارات الحاسمة. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خطب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب وقال كلمته الشهيرة إنه «يسعى لإيجاد نظام عالمي جديد» يقصد به العولمة، واليوم على ما يبدو أن العالم في حاجة ماسة أكثر من ذِي قبل إلى نظام عالمي جديد، فما دامت «أزرار التحكم والسيطرة» بيد فريق واحد سيبقى الوضع على ما هو عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزرار التحكم والسيطرة أزرار التحكم والسيطرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon