بقلم: حسين شبكشي
عندما يتم استعراض تاريخ النفط الاقتصادي في العالم، فهناك محطات مهمّة كانت مؤثرة وتستدعي الوقوف عندها.
فإذا كان النفط تاريخياً قد تم اكتشافه في الصين أولاً في سنة 600 قبل الميلاد، فإن التاريخ الاقتصادي للنفط بدأ في أميركا الشمالية وتحديداً في كندا بمقاطعة أونتاريو عام 1858، ولكن النفط تحول إلى صناعة جادة عندما تم اكتشاف النفط في أميركا بولاية بنسلفانيا عام 1859. وذلك بكميات تجارية. وكانت انطلاقة الشركات العملاقة الأميركية والأوروبية للبحث عن فرص التنقيب، فوُلدت شركات «بي بي» البريطانية و«رويال شل» الهولندية و«ستاندرد أويل» و«تكساكو» و«موبيل» و«أكسون». وبالتدريج تحول النفط إلى أهم سلعة اقتصادية تسخّر وتحرّك السياسة حول العالم.
لفترة طويلة كانت السلعة تحرّكها قواعد اقتصاديات السوق المبنية على العرض والطلب، واستمر هذا الوضع حتى حصول المقاطعة العربية وحظر تصدير النفط للغرب بسبب تأييدها لإسرائيل في حرب 1973، وكان هذا الموقف تصعيداً سياسياً للنفط بشكل غير مسبوق، ووقتها قررت أميركا البدء في سياسة التخزين الاستراتيجي للنفط، ثم جاءت حقبة الثمانينات الميلادية التي صعد فيها دور البنوك الاستثمارية كأهم المؤثرين في تحديد أسعار السوق بالتسعير المستقبلي للنفط في مضاربات عنيفة هزمت الدول المنتجة و«أوبك». ثم جاءت بعدها مرحلة الإنتاج النفطي من دول بحر الشمال، ثم الصعود المتدرج لنفوذ روسيا في سوق النفط كلاعب مؤثر وفعال، وبعدها جاءت حقبة النفط الصخري المؤثر جداً. وخلال ذلك كله رأينا أحداثاً سياسية مؤثرة كثورة الخميني، والحرب الإيرانية العراقية، واحتلال الكويت وتحريرها، وغزو العراق، وسقوط القذافي، والحرب في ليبيا، وأزمة المناخ، والطاقة البديلة وتأثيرها المتزايد في مجالات مختلفة.
ولكن هناك شخصية مهمة جداً لا تلقى القدر الكافي من الإشارة إلى قرارٍ وسياسةٍ تبناها لا تزال أحد أهم المؤثرات على سوق النفط اليوم. وأعني هنا تحديداً وزير الطاقة الأميركي الأسبق بيل ريتشاردسون في حقبة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، والذي قام باستحداث سياسة «استخدام» المخزون الأميركي الغزير جداً كأداة سياسية لتسعير النفط عالمياً، فهو يطلق في السوق «بإغراق» كميات هائلة من النفط ليهبط بالسعر لأسباب سياسية ويشتري من السوق بأسعار رخيصة عندما يكون هناك فائض، وبالتالي أصبح المخزون الاستراتيجي أداة مؤثرة في سوق النفط العالمي لا تزال تعمل حتى اليوم.
وقد وصف بعض الخبراء والمختصين سياسة ريتشاردسون وقتها بما بشبه «السحر» وهي أثبتت نجاعتها وجديتها وأنها تفكير غير تقليدي غيّرت من قواعد السوق حتى إشعار آخر. هناك سياسة النفط وهناك تسييس للنفط والفرق بينهما يشاهَد في السوق المفتوحة.