بقلم: حسين شبكشي
أكتب هذه السطور والعالم لا يزال يحاول فك ألغاز وطلاسم العملية «شبه السينمائية» التي هرب بها رجل الأعمال اللبناني الفرنسي البرازيلي كارلوس غصن من القضاء والعدالة في اليابان، ووصل إلى لبنان في ختام عام 2019.
كارلوس غصن يواجه تهماً في غاية الخطورة والأهمية في اليابان، وقد أفرج عنه بكفالة تاريخية قياسية في حجمها المالي حتى موعد محاكمته القادم. وهناك تهم اعترف بها، خاصة الاستغلال المالي والانتفاع الشخصي بتأسيس منافع خاصة عبر شركات وأشخاص بمعرفته، وهناك «تسويات» مالية تمت مع بعض الجهات بعد إلقاء القبض على غصن.
تفاصيل الهروب لا تزال غامضة، ولكن هناك بعض المعلومات التي تسربت عنها. انقطع كارلوس غصن عن استخدام كل وسائل التواصل الإلكتروني منذ فترة من الوقت، وبقي بلا استخدام للهاتف الجوال والكومبيوتر وبأشكاله كافة. تولت زوجته القيام بالترتيبات المطلوبة لإنجاز العملية، وأهم خطواتها إصدار جواز سفر فرنسي جديد لزوجها (جوازات سفره الثلاثة البرازيلي والفرنسي واللبناني كانت ولا تزال بحوزة النيابة اليابانية). ثم تعاقدت مع فرقة أمنية عسكرية خاصة دخلت إلى شقة كارلوس غصن كفرقة موسيقية، وخبأته في أحد صناديق الآلات الموسيقية، وخرجت به إلى أحد المطارات المحلية بالعاصمة طوكيو؛ حيث كانت هناك طائرة خاصة، أقلتهم إلى إسطنبول، ومنها إلى بيروت؛ حيث دخل بشكل سلس، (فالمطار خاضع لسيطرة حلفائه وتحديداً «حزب الله»).
ومعروف عن كارلوس غصن دعمه الكبير للتيار الوطني الحر، وهو الذي يفسر استقبال ميشال عون له في بعبدا بعد ساعات من وصوله، بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية نفتها الرئاسة اللبنانية، والبيان الداعم له أنه مواطن لبناني دخل البلاد بصورة شرعية، ولن يتم تسليمه. الحقيقة المزعجة هي كم الرسائل السلبية التي يرسلها حدث كهذا للعالم. ليس بخافٍ على أحد السمعة السيئة للأنظمة القضائية، وتفشي الفساد والمحسوبية في بعض بلدان العالم العربي، وهي أهم العناصر التي تجعل الدول الصناعية الكبرى وشركاتها المحترمة في تردد من القدوم للاستثمار، وبهذا الحدث وتبعاته تأكد هذا الظن بشكل هائل. ولا أعلم كيفية التفكير السياسي في لبنان بإيواء مطلوب وهارب من العدالة في اليابان والاحتفاء به، واليابان هي من الدول المانحة للبنان والداعمة له اقتصادياً. ولكن بطبيعة الحال، ليست هذه هي الحالة الأولى التي يحمي فيها النظام اللبناني مطلوباً للعدالة، فتنظيم «حزب الله» الإرهابي صاحب السلطة المسيطرة في الحكم بلبنان يحمي المطلوبين في قضية اغتيال رفيق الحريري حتى اليوم.
هناك أنباء أن اليابان لن «تسكت» عن الإهانة التي حصلت لها، وأن لديها «كروتاً» من الممكن أن تستخدمها مثل «الكوانسوشاسو»، وهو جهاز الاستخبارات الياباني أو المافيا اليابانية المعروفة باسم آلياكوزا، حتى الاستعانة بالمنظمة الإرهابية اليابانية المعروفة باسم «الجيش الأحمر» للقيام بعملية رد اعتبار، تقوم بتنفيذها مجموعة من المرتزقة في «حزب الله» هم بحاجة للمال وقد يجدون العرض ملائماً.
قضية غصن لها بعد سياسي آخر، بدأت بعض خيوطها تتكشف، فهو كان يريد قتل الشريك الياباني «نيسان» لصالح الشريك الفرنسي «رينو» المملوكة من الحكومة الفرنسية، وهذا الأمر اعتبر خيانة وتضليلاً وخداعاً في اليابان.
منذ التسعينات الميلادية التي شهدت قضية إجناسيو لوبيز، التنفيذي الكبير في عملاق السيارات الأميركي «جنرال موتورز» الذي خطفته شركة «فولكس واغن» الألمانية محملاً بأسراره، وبدأت حرب القضايا والتشهير بين الطرفين في قضية سميت بالتجسس الصناعي التنفيذي. قضية كارلوس غصن أهم وأخطر بكثير لأنها تستهين بمنظومة العدالة العالمية وتدعم المحسوبية والفساد ولا مكان لذلك.
كارلوس غصن هارب من العدالة. نقطة على السطر. كان هناك شخص واحد معروف باسم كارلوس في العالم، وهو الإرهابي، والآن انضم إليه كارلوس غصن، وكلاهما خارجان عن القانون.