فى طفولة كل منا خبرات من حياة الكبار تبنى بمواقف وتعليم، وأحيانا تتكون شخصياتنا حتى من خلال لعبة.. كنا وقت الاتفاق على لعبة نمارس قانون المنطق الذى لم يعلمنا إياه أحد، نختار بحسب رأى الأغلبية.. تسير الأمور غالبا بهدوء.. فيفرح من اختاروا اللعبة إذا ما استقررنا عليها، ويشارك الآخرون حتى ممن كان لديهم أفكار أخرى، حتى يحين الدور القادم ويتمسكوا بقوة بلعبتهم وفكرتهم.. حتى يظهر هذا الطفل العنيد وهو فى الغالب شخصية سريعة (القفش أو القمص)، كما اعتدنا أن نسميها، تظهر تلك الشخصية وقت الاختيار غالبا، معلنة رفضها لكل الأفكار وكل الخيارات المطروحة منا.. فجميعنا فى نظره- ما بنفهمش- يصيح فى الكل ويعلن رأيا ثالثا غالبا ما يكون غير قابل للتطبيق لكنه ما إن يجد آراء مخالفة حتى يزيد من صراخه وغضبه.
ولأنه رغم عناده كان غالبا صديقا محبوبا من الكل فغالبا ما كنا ننفق الكثير من وقتنا فى محاولة إقناعه بالمشاركة! وجميعها تفشل فكلما حاولت إقناعه زاد صراخه.. (مش لاعب يعنى مش لاعب)!!، وغالبا كان يظهر الأكبر سنا بيننا لفض هذا الاشتباك المتكرر ويقول بهدوء (سيبوه.. عنه ما لعب!!). كان صديقنا الأكبر يعرف أن هذه الجملة ستختصر الوقت الضائع فهو لا يريد أن يفسد على الجميع متعة المشاركة.
لكن المضحكات المبكيات.. أننا كبرنا.. وأننا لم نعد نلعب.. ولم يعد لدينا وقت نضيعه فى (القفش).. لم يعد لطيفا ولا خفيف الظل أن نكرر نفس الممارسات الطفولية كل مرة.. وأن نعيد محاولات إقناع المعاندين بألا يتنازلوا عن مواقعهم وسط صفوفنا.. فهم بالطبع محبوبون جدا ومقدرون جدا.. إنما ممارسات الصبية والرغبة الدائمة المتكررة فى شق الصفوف وفى تسفيه وتقليل كل فرحة وكل نجاح وكل فكرة تجمعنا قد أصبحت أمرا مريضا ومزعجا حد السأم.. لم يعد لدى الناس طاقة لجدال ينتهى دائما بوصفهم أنهم حمقى وقرار متكرر بالانسحاب من كل فعل إيجابى.
يتحرك العقلاء للبناء ويقررون عدم تضييع المزيد من الوقت سنبنى سويا بشكل أفضل إنما سنبنى بدونك إن كان هذا قرارك!.
وحتى حين نبنى سنظل مستعدين للتقليل والتعبير والسخرية من البناء الذى رفضت قبلا المشاركة فيه أو محاولة تحسينه أو تقويمه.
مازلت أذكر أياما وتعبيرات..
«أنا لن ألوث أصبعى بالحبر الفوسفورى»!!
«أنا لن أشارك فى هذه المهزلة!!».. تلك التى تتكرر بنسختها الآن! كنت أنت نفس الشخص بنفس المنطق ونفس الغضب ونفس- القمصة- والحقيقة أننى فقدت ثقتى فى هذا الأسلوب منذ أن جاء إلينا بالإرهابيين رؤساء وحكموا درة البلاد، سكنوا مؤسساتنا وحكموا شوارعنا.. بسبب أمثالك من المقموصين وغيرهم من عاصرى الليمون.
أذكر مرة وحيدة وقفنا سويا فى نفس الصف مع المقموصين والمعترضين دائما.. يوم أن وقفنا سويا نستغيث من بطش من أتيت بهم إلينا! كنا سويا نحن وأمهاتنا فقراءنا وأغنياءنا.. تلك هى المرة الوحيدة التى شاركت فيها وانتصرت.. لأننا كنا حقا معك فى نفس الصف!!.
ما الدرس الذى تريدونه كل مرة.. ما الهدف من فكرة التواكل وعدم الرغبة فى بذل جهد للمشاركة.
يردد الكثير من أصحاب الأصابع المقاطعة لحبر الاختيار والمشاركة جملة نبيلة للمناضل الأمريكى العظيم مارتن لوثر: «علينا جميعا أن نتعلم العيش معا كأخوة أو الموت معا كأغبياء!».
نحن ندعوكم جميعا للمعارضة معنا كإخوة والمشاركة معنا كإخوة فقد سئمنا تمزيق الصفوف واستهلاك الطاقات.
قال أيضا مارتن لوثر: «إننا لن نذكر كلمات أعدائنا، ولكننا سنذكر صمت أصدقائنا».
لهذا يذهب البعض إلى مدى بعيد فى محاولة إقناعك بالمشاركة.. إنك صديق! لكننا لن ننسى صمتك حين احتاجك الوطن!.
كل الاختيارات شرف.. كل المشاركات شرف.. إبطال الصوت شرف!.
لكن صديقى لا تغضب من هجوم الناس واتهامهم لك بالسطحية.. فأنت من اخترت (مش لاعب!!) طريقة للحياة.. فلا تنزعج حين يبادلك الناس عدم نضج وسخافة!.
ملحوظة1: فى طفولتى كان دائما ما يأتى هذا الطفل الغضبان بتاع (مش لاعب) بعد أن نتركه ونمضى فى طريقنا.. متسللا فى هدوء.. يحاول أن يدخل فى الصف.. عندما كان يرانا فرحين.. وكنا نستقبله بابتسامة هادئة ومرحبة.. دون توبيخ ولا لوم.. لأننا (ولاد أصول).
نقلاً عن المصري اليوم