بقلم - دينا عبدالكريم
لا يغضبنى فى كل أمراضنا الاجتماعية شىء قدر غضبى من الهيستيريا فى المشاعر.
هيستيريا الحب للوطن التى تدعى أنه ليس فى الإمكان أروع مما كان وأننا جميعا سعداء وليس بيننا فقير أو مظلوم أو محتاج.. هى نغمة مضحكة كشفها الجميع وصارت مدعاة للسخرية بين الجميع إلا بين أوساط مردديها والمنتفعين بها.. حب الوطن بالنسبة لى هو خلعة القلب حين ينهشه فاسد، إحساسك بالملكية الحقيقية لشوارعه ومنافعه ورغبتك الأصيلة فى الحفاظ عليها.. تعففك عن مكسب سريع هو فى أصله سرقة من أموال الناس.. صيحة تشجيع وسند لكل من ارتدى العلم ممثلا لهذا الوطن دون النظر إلى أى اعتبارات أخرى.. احترام الدم لا المتاجرة به.. حب الوطن هو الصراخ لإفاقة أى غافل مهما كانت مكانته.. واحترام الاختلاف مهما علت حدته.. حب الوطن قيمة تجعلك (ابن أصول) وتحفظك من الهيستيريا.
حتى الحب بين رجل وامرأة.. مضحك جدا هو الانبهار بصور جميلة وكلمات غزل وحب متبادل «أنت حب حياتى، عمرى وفرحتى» كلها مجرد كلمات.. لطيف أن نسمعها.. الحقيقة أن الحب يبدو باهتا جدا إن لم يختبر.. الحب الحقيقى هو تلك المشاعر التى تمتحن خلال سنوات من الزواج وخبرة أطفال ومسؤوليات مادية واجتماعية وعائلية.. اعبر كل هذه الامتحانات ثم حدثنى عن الحب.. تحمل واصبر.. اسند وقم وساعد.. اختلف وتشاجر ثم سامح وانسَ واضحك.. اقترب وابتعد واخلص وقاوم.. ثم حدثنى عن الحب.. كلما قلت الهيستيريا.. تعمق الحب وتأصل.. وصار مريحا ونافعا ودافعا لأصحابه ليكونوا أشخاصا أفضل.
قدر ما أجد هيستيريا الحب غير ناضجة ومضحكة أحيانا.. غير أن ما يكسر القلب حقا هو هيستيريا الكراهية.. هيستيريا الكراهية مرعبة وخانقة.. وقدر روعة الحب القادر على تلوين الحياة وجعلها مكانا أفضل للجميع.. قدر كون الكراهية تجعل من صاحبها شخصا منبوذا يبتعد عنه الناس لا إراديا.
مسموح لنا جدا أن نختلف فنفارق، ألا نرتاح فنبتعد، أن نفشل فنغضب.. لكن من غير الصحى ولا الطبيعى أن أصب كراهيتى على كل البشر.. النهاية التى ندركها متأخرا أننا جميعا (غلابة) وحتى من كان جزءا من حزنى وتعاستى هو أيضا تعيس ويحتاج لبعض من حب حتى ولو لم يستحقه.. فمن منا يستحق!
الهيستيريا تحول الأمور العادية التى يمكن التعامل معها إلى أعراض مرضية مزيفة تعطل المواجهة والتغيير وحتى الرضا والفرح بأسباب السعادة المشروعة.
ليتنا ندرك مصابنا.. ونتعامل معه بوعى.. فنشفى ونحيا.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع