بقلم: دينا عبدالكريم
وصلنى إيميل من جارى- القاضى بمحكمة فلوريدا- الجالس بجوارى فى الطائرة العائدة من كاليفورنيا إلى فلوريدا فى ديسمبر 2017.. الإيميل وصلنى اليوم فى إبريل 2019، أى بعد مرور قرابة العام وأكثر على ذلك الحديث العابر بين غريبين فى طائرة.
الرجل كان مهذبًا لدرجة جعلته يتردد كثيرًا قبل أن يسألنى عن محتوى ذلك الكتاب الذى أقرؤه بالعربية، فقد اعتقد أننى مكسيكية أو إسبانية بسبب لكنتى فى الإنجليزية.. وتعجب حين عرف أننى مصرية، وبصراحة لا أعرف سر تعجبهم سوى اعتقادى فى تلك الصورة الذهنية التى يرسمونها عن المصريين، والتى أراها فى ذهول واضح ودهشة حينما نتحدث بحب عنها، وعندما يروننا نحن كأشخاص بأفكارنا وقناعاتنا وثقافتنا!.
دار الحديث طويلًا بيننا، وسألنى تقريبًا عن كل شىء فى الحضارة المصرية القديمة، حتى إننى بدأت كثيرًا أشجعه على قراءة كتب بعينها أو مصادر موثوقة أكثر.. فالرجل كان يبدو أن لديه شغفًا وأسئلة لن يجيب عنها سوى عالِم مصريات أصيل!!.
كمصرية متحمسة، أخذتنى الحماسة كى أحدثه عن الحاضر.. وليس عن الماضى، تكلمت بحماسة عن الأماكن التى من الممكن أن يزورها وعن الخبرات وعن الناس وعن الوجوه الطيبة.. ثم سألنى بالطبع السؤال التقليدى: هل مصر آمنة؟ هل تزورون سيناء؟!.
كان هذا السؤال بداية لحديث عن تحديات منطقتنا ليس كما يرونها فى الإعلام ولا كما يسمعون عنها بدون اهتمام.
حديث مر عليه من الوقت حتى نسيته تمامًا، إلى أن جاءنى هذا الإيميل الرائع من هذا الرجل الكبير سنًا ومقامًا فى يوم الخامس والعشرين من إبريل!، عيد تحرير سيناء، تلك البقعة الغالية التى حدّثت هذا الرجل عنها كثيرًا، ولا أذكر تحديدًا ماذا قلت!.
كلمات هذا العجوز الوقور أبْكَتْنى حين قال لى إنه زار مصر.. وإن ما قلته له عنها كان أقل كثيرًا مما رآه، وكيف أن الوجوه طيبة والعيون طيبة، حسب تعبيره!!. كتب لى أيضًا كيف أنه تبرع لمؤسستين خيريتين فى مصر، وأنه يريد أن يبقى على اتصال بمصر بأى شكل!.
تلك الأرض التى نسكنها ساحرة.. وهى تستحق أن تُحَبّ.. وتستحق أن يأتيها العالم كله ليتعلم من تلك العيون الطيبة!.
ونحن مازلنا نتعلم أحيانًا من حبنا لها.. أنه مثمر بأقل مجهود.. فقط عندما نريد أن نكون سفراء لها.