بقلم-سعيد اللاوندى
يخطئ من يعتقد أن الأزمة بين أمريكا وتركيا فى نهاية حلقاتها، فرغم وفود تركية تسعى لإصلاح ذات البين، والتصريحات البنّاءة المنسوبة للسيد أوغلو، وزير الخارجية التركى، تشير إلى ذلك، فإن التصريحات الأخيرة لأردوغان وترامب تؤكد أن الأزمة فى طريقها للتصعيد، والليرة التركية تسير يوماً بعد يوم نحو الهاوية.
والحق أن تركيا ظلت، لسنوات طويلة، تدّعى ما ليس فيها، وكانت تردد هذه الأكاذيب الأبواق الدعائية الإخوانية، فكم من مرة سمعنا ترهات هنا وهناك عن الاقتصاد التركى وقوته، فإذا به ينهار بين يوم وليلة، وبمجرد أن ضاعفت الولايات المتحدة الرسوم على الحديد والألومنيوم، وتتحدث الأوساط الأمريكية عن حزمة أولى من العقوبات الاقتصادية تستعد لها الولايات المتحدة الآن، وبالتالى فإن مستقبل الاقتصاد التركى لا يبشر بخير. اللافت للنظر أن الدول التى كانت تبدو حليفة لتركيا قد تخلت عنها فى محنتها، والثابت أن دولة قطر لم تلتفت إليها فى البداية، ولم تغير موقفها إلا بعد أن هددتها تركيا بإلغاء القاعدة العسكرية التركية الموجودة فى الدوحة. أما بقية الدول، مثل روسيا والصين وإيران، فقد اكتفت بالكلمات المعسولة التى لا تشفى ولا تُسمن من جوع، وتبخرت - تبعاً لذلك - الفكرة التى عبّر عنها أردوغان، وهو فى حالة غضب، عندما قال إن الدول الحليفة لتركيا ستبحث إمكانية خلق عملة دولية جديدة بديلة عن الدولار، وغاب عن باله أن النظام المصرفى العالمى أعقد وأكثر عمقاً من هذا الكلام السطحى الذى يدغدغ به أردوغان مشاعره.
والثابت أن الخطر على الأمة العربية المقبل من أحفاد عثمان لهو أكبر من الخطر المقبل من دولة أخرى مثل إسرائيل التى لم تقطع تركيا يوماً علاقتها بها، بل إن السور العنصرى الذى تبنيه إسرائيل ليفصل بين المستوطنين والعرب الفلسطينيين (أصحاب البلاد الحقيقيين) تموله تركيا منذ البداية وتوفر له مواد البناء من رمل وأسمنت وحديد.
أما جماعة الإخوان، التى كانت تتدثر بالدفء التركى، فقد وجدت نفسها فى العراء، فبعد اهتزازات النظام القطرى هربت إلى تركيا، واليوم لا تجد براً أو بحراً يعصمها من الهول الأعظم الذى تتعرض له.
تركيا تمر بأزمة حقيقية، وبدون خطط مدروسة تحاول أن تتصل بدول تآمرت عليها مثل سوريا، وكم من مرة هددت بأنها ستقطع مياه نهرَى العاصى وبردى، باعتبار أنهما ينبعان من داخل تركيا.
لقد وجدت أنقرة نفسها فى مهب الريح الأمريكى، ولا يُضمر لها السيد ترامب إلا مزيداً من العقوبات ويتوعدها بانهيار مدوٍّ لاقتصادها الذى ثبت أنه يعتمد بالكامل على الدعم الأمريكى. أما حلف الناتو، باعتبارها عضواً فيه، فلم تتحرك دوله، وثبت أنها كانت أرضاً لقواعده العسكرية فقط لا غير، وكانت تركيا تستخدمه كفزاعة تخيف به دول الشرق الأوسط، ولذلك فإن القبض على القس الأمريكى واتهامه بأنه كان جاسوساً هو خطأ ستندم عليه تركيا، ولن تتخلى أمريكا عن السيد «جولن»، المعارض التركى، الذى يعيش على أرضها.
الأزمة لم تكتمل فصولاً، والحق أن تركيا لا أمل لها فى حلول عاجلة، إلا إذا تراجعت عن موقفها، وإلا فالانهيار لاقتصادها مقبل لا محالة.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع