بقلم : د. سعيد اللاوندى
ليس من شك أن صورة أمريكا فى زمن «ترامب» تختلف عن صورة أمريكا كما فهمناها فى زمن من سبقوه فى البيت الأبيض.
لكن أهم ما يميز هذه المرحلة فى حياة أمريكا السياسية هو التردد فى اتخاذ القرارات، فضلاً عن براعة الرئيس ترامب فى إشعال الحرائق فى كل مكان.
فمثلاً عندما اتخذ قراراً بأن تكون القدس، «كامل القدس»، عاصمة لإسرائيل ضارباً عُرض الحائط بالمرجعيات الدولية التى تحتفظ بها المنظمة الأممية العالمية، التى تتحدث عن القدس الشرقية باعتبارها عاصمة لدولة فلسطين، والقدس الغربية بوصفها عاصمة لإسرائيل.
الغريب أن معظم دول العالم رفضت هذا القرار الأمريكى الجائر، لأنه يهدم مباحثات السلام التى تجرى منذ سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ورغم ذلك أصرت أمريكا على موقفها ونقلت سفارتها إلى القدس بدلاً من تل أبيب، فأشعلت الحرائق فى الشرق الأوسط دون أن تبالى بالمظاهرات الفلسطينية التى تخرج كل يوم جمعة تطالب بالقدس مدينتهم وبالمسجد الأقصى التى منعت فيه إسرائيل الصلاة وفرضت أمريكا موقفها وتعاملت مع دول العالم، وكأنها دول تحكمها أمريكا بالحديد والنار.. فما تراه سيكون وما لا تراه لن يحدث!
وانتقلت أمريكا - ترامب إلى مكان آخر فى الشرق الأوسط، وهو إيران، فقامت بالانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى الغربى ظناً منها أن انسحابها سيجعل دول الاتحاد الأوروبى تنسحب هى الأخرى، وبذلك ينهار الاتفاق تماماً، لكن ما حدث هو العكس فالاتحاد الأوروبى قد تمسك بالاتفاق وذهب مسئولون أوروبيون والتقوا بمسئولين إيرانيين وأعلنوا أن هدفهم هو الإبقاء على الاتفاق الذى تم بين دول 5+1 من بينها أمريكا، فإذا انسحبت فليبق الاتفاق مع الدول الخمس.
وأكدت «موجرينى»، مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية أن أوروبا متمسكة بالاتفاق وتحدثت عن تعويض إيران مادياً فى حالة مطالبتها بتقليص تدخلها فى الشرق الأوسط.
الغريب أن «ترامب» بدأ يتحدث عن إمكانية إجراء مباحثات مع طهران لعمل اتفاق جديد ناهيك عن أن معركة من نوع ما نشبت بين واشنطن من ناحية، وبروكسل من ناحية أخرى بسبب هذا القرار الأرعن! وبينما يحتدم الخلاف بين أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى بسبب الاتفاق، ظلت طهران بعيدة حتى الآن، المهم أن أمريكا أشعلت الحرائق فى المنطقة أيضاً.
ولم تهدأ أمريكا، بل انتقلت إلى شبه الجزيرة الكورية وفوجئ العالم بأن ترامب ألغى بمفرده لقاءه الذى كان مقرراً بعد أسابيع فى سنغافورة مع زعيم كوريا الشمالية فأشعل الحرائق فى هذه المنطقة، ثم بسبب أن رد فعل كوريا الشمالية كان هادئاً وأعربت عن أملها فى أن يحدث هذا اللقاء فى الوقت المناسب لأمريكا.
هنا أعاد «ترامب» التفكير فى هذه القمة الملغاة وتحدث عن إمكانية حدوثها فى الشهر المقبل، فأحدث بذلك زلزالاً فى العالم، وتحديداً فى روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، فحديثُ عن الإلغاء يعقبه حديث عن اللقاء بلا مقدمات.
باختصار أشعل «ترامب» حرائق فى شبه الجزيرة الكورية، وجعل العالم كله يضع يده على قلبه خوفاً من حدوث مواجهة نووية.
بمعنى آخر، أشعل الرجل الحرائق فى العالم دون أن يأبه بالنتائج، وكأنه صبى صغير يلهو ويلعب دون أن يهتم بشىء.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع