بقلم - سعيد اللاوندى
فى مؤتمر دولى للمياه بسويسرا كان يشارك أحد الخبراء المصريين وهو الدكتور عبدالفتاح مطاوع، رئيس قطاع مياه النيل الأسبق والأستاذ المتفرغ حالياً بالمركز القومى لبحوث المياه التابع لوزارة الموارد المائية والرى، ولاحظتُ أن كل المؤتمرين كانوا ينتظرون مداخلة الدكتور مطاوع الذى ألقى كلمته باللغة الإنجليزية التى يتقنها، وتبيّن لى أنه كان يبعث برسائل طمأنة للجميع بأنه لا خطر إطلاقاً على دول المصب (مصر والسودان) مما يُقال عن نقص مياه النيل، وهالنى أن قال إن مصر مثلاً فى المواسم ذات الوفرة النيلية تركت أكثر من 40 ملياراً من مياه النيل لتهبط فى مياه البحر المتوسط، حدث هذا أكثر من مرة، ومن ثم فالحديث عن نقص مياه النيل وتعرُّض سكان مصر والسودان للعطش هو حديث إفك لا أساس له من الصحة.
هذه المعانى هى ما قاله هذا الخبير المائى فى كتاب بعنوان «بوليتيكا سد النهضة» يقع فى نحو 416 صفحة من القطع الصغير، حاول أن يضم بين دفتيه خلاصة الجدل الذى يُثار حول السد.
اللافت للنظر أن الدكتور مطاوع، الذى عمل نائباً سابقاً لمعهد البحر المتوسط للمياه فى مارسيليا بفرنسا، لا يرى ضرورة لهذا الهلع الذى ينتاب بعض المؤسسات المصرية أو مبرراً لهذا الخوف الذى يسيطر على قطاعات من الشعب المصرى، وبلا أى غضاضة يُحمّل بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة مسئولية هذا الجدل العقيم لأن من يكتبون يجهلون أدبيات إدارة الأزمة كما لا يعرفون علاقة مصر الأخوية بدول حوض النيل.
يضم الكتاب نحو ستة عشر فصلاً يروى فيها الدكتور مطاوع جزءاً من تفاصيل حياته، خصوصاً الرحلات الداخلية والخارجية وسنواته التى أمضاها فى السودان وكينيا ولقاءه مع بعض الخبراء من أوروبا وأمريكا، أما الفصل السابع عشر فقد حرص على أن يجعله يضم الوثائق المهمة لاتفاقيات فاعلة مثل اتفاقية عنتيبى واتفاقية القسطنطينية وبعض الأوراق ذات الصلة التى أجمعت حولها الدول المشاطئة للنهر، ويتميز الكتاب بأنه محايد وصريح وموضوعى، فضلاً عن أن مؤلفه كتبه بأسلوب رصين وكان هادئاً طوال الوقت، لأنه لا يرى ضرورة للتوتر، فمياه النيل هى شريان الحياة فى مصر، لكنها أيضاً دافع للتنمية فى دول حوض النيل.
ولم ينسَ أن يذكر لنا أن إثيوبيا فى زمن زيناوى هى التى أطلقت اسم سد النهضة على السد الذى كان يُعرف باسم سد الحدود أو سد الألفية.
باختصار، عبدالفتاح مطاوع يرى أن إدارة أزمة النيل والتعامل سياسياً مع إثيوبيا والاهتمام بتفعيل اتفاقية القسطنطينية سوف يؤدى لى حلحلة أزمة مياه النيل ولا داعى للخوف أو الهلع فى دول المصب، فمياه النيل يمكن أن تكون عامل وحدة وليس عاملاً للتفرقة.
وينتهى الكتاب بكلمات قوية تقول: «إن رسالتنا للعالم تتلخص فى ضرورة احترام قواعد ومبادئ القانون الدولى المتعلقة بالأنهار الدولية المشتركة حتى لا تجرفنا قوانين الغابة إلى كوارثها التى لا ينجو منها أحد وليس فيها طرف منتصر وآخر مهزوم».
نقلا عن الوطن القاهرية