بقلم: سعيد اللاوندى
كما كان متوقعاً، لقد فشلت الخطة الإصلاحية التى تقدمت بها تيريزا ماى أمام مجلس العموم البريطانى، ولم تجلب دموعها التى سبقتها وهى تعلن استقالتها من منصبَى رئيسة الوزراء البريطانية ورئيسة حزب المحافظين، أى نوع من التعاطف معها، بل بالعكس لقد هنأت أحزاب المعارضة نفسها بهذا الانتصار الكبير. ولقد كان هذا الفشل نتيجة أن تيريزا ماى لم تدرك الفوارق اﻷساسية بين شباب بريطانيا وطموحاته فى البقاء فى الاتحاد اﻷوروبى، وكبار السن وأصحاب المعاشات الذين كانت انتماءاتهم دوماً للمملكة البريطانية والملكة التى تزين صورتها الجنيه الإسترلينى.
والحق أن الاستفتاء الذى جرى عام 2016 عزف عنه الشباب وأقبل عليه العجائز وأصحاب المعاشات الذين رجحت كفتهم. وامتنعت تيريزا ماى عن إجراء استفتاء آخر، وركزت عملها فى السنوات الماضية على إقناع أعضاء مجلس العموم بخطتها الإصلاحية، سواء بين أعضاء اﻷحزاب المعارضة أو داخل حزبها (حزب المحافظين).
اهتزت أرجاء أحزاب أوروبا اليمينية لهذه النتيجة التى كانت متوقعة، والتى لا ننكر أن تيريزا ماى كانت سبباً أساسياً فيها، فشباب بريطانيا يريد أن يحمل جواز سفر أوروبياً، ولا يعترف بالحواجز الجغرافية بين الدول، وهذا لا يتحقق إلا فى ظل الاتحاد اﻷوروبى.
ثانياً، دأبت تيريزا ماى على السير وراء السياسة اﻷمريكية الخارجية التى لا يُنكر أحد أنها تريد تفسخ الاتحاد اﻷوروبى اليوم قبل الغد، ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين أحدثت اضطرابات فى بريطانيا وصلت إلى محيط مجلس العموم البريطانى، فإنها تركت بلادها أرضاً للمعارضة فى كل مكان، وعقدت اجتماعات ضد الدول العربية والإسلامية، وبذلك تحولت بريطانيا فى السنوات اﻷخيرة إلى جنة من جنات المعارضة الإسلامية.
بمعنى آخر، لقد غرقت تيريزا ماى فى الشأن الداخلى البريطانى، ولم يكن لها أى دور فى السياسة الخارجية العالمية، اللهم إلا بعض المبادرات الصغيرة التى كانت تقوم بها من قبيل ذر الرماد فى العيون، لكن والحق يقال أن النظام السياسى البريطانى بدا متهرئاً، ولقد كشفته دموع تيريزا ماى أمام مجلس العموم البريطانى.
والمعروف أن رئيسة وزراء بريطانيا كانت تسير، الساق وراء الساق، فى طريق تونى بلير الذى كان يبحث عن شىء واحد هو إرضاء السياسة الخارجية اﻷمريكية. بكلمة أخرى، لقد كانت سياسة بريطانيا فى عهد تيريزا ماى باهتة لا طعم لها ولا لون، لذلك جاءت هزيمتها تصفية حساب، جرّاء سياساتها المنغلقة داخلياً، وسوف تجرى انتخابات فى مجلس العموم البريطانى لاختيار رئيس وزراء جديد ورئيس لحزب المحافظين أيضاً، أما تيريزا ماى فأكدت بعض الصحف البريطانية أنها سوف يُسدل الستار عليها سياسياً.
والحق إن تيريزا ماى كانت مغرورة وتجاوزت حدودها فى الطموح عندما استمعت إلى بعض مستشاريها بأنه يمكن إقناع أعضاء مجلس العموم بخطتها الإصلاحية، لذلك تقدمت بها ثلاث مرات، والنتيجة عدم البقاء فى الاتحاد اﻷوروبى.
الخطير فى اﻷمر أن دولاً مثل إيطاليا وإسبانيا ونيوزيلندا كانت تنتظر ما سيقوله مجلس العموم البريطانى لتفكر جدياً فى أن تنسلخ هى اﻷخرى عن الاتحاد اﻷوروبى، لذلك فإن الحرب فى إبقاء الاتحاد اﻷوروبى ستجعل فرنسا وألمانيا، باعتبارهما الموتور الذى يحرك الاتحاد اﻷوروبى إلى اﻷمام، فى حالة استنفار دائم.
إن التاريخ السياسى العالمى لا يرحم، وقد وضعت تيريزا ماى نفسها أمامه، فكانت أشبه بمن يقف أمام القطار، وانتهت حقبتها، لكنها ستظل حية أمام كل عين ناقدة ترى أن تيريزا ماى انسلخت فى سياساتها الخارجية عن أوروبا، ولا شك أن الخسائر ستكون فادحة.