بقلم : د. سعيد اللاوندى
لم ننسَ بعد التصريحات النارية التى كان يطلقها كيم أون زعيم كوريا الشمالية ويُهدّد فيها بالوصول برؤوسه النووية إلى عمق العمق الأمريكى، وكان الرئيس ترامب يرد بتصريحات مضادة يؤكد فيها أنه لن يقف مكتوف الأيدى، باختصار كان العالم يحبس أنفاسه على وقع هذه التصريحات التى جعلت الحرب العالمية الثالثة قاب قوسين أو أدنى، لذلك تطوعت روسيا بتصريحات تُحبّذ فيها انعقاد قمة بين ترامب وكيم أون تنزع فتيل الأزمة المشتعلة بين أمريكا وكوريا الشمالية، ومالت الصين إلى كفة روسيا، وكذلك فعلت اليابان.
وتقرّر بالفعل بعد أخذ ورد بين الجانبين انعقاد قمة سنغافورة، التى استمرت أقل من ساعة بين الرجلين، وهلّل العالم لحالة الاسترخاء العسكرى بين كوريا الشمالية وأمريكا، لكن على ما يبدو لقد كانت قمة فى صالح أمريكا وضد كوريا الشمالية، فالنظرة الموضوعية الهادئة تؤكد أن الرئيس ترامب لم يقدم أى شىء، فقط كيم أون هو الذى انبطح أرضاً أمام واشنطن. فالرئيس ترامب لم يرفع العقوبات التى كانت مفروضة على بيونج يانج، كما لم يعد بتحسن التبادل التجارى، وكان كل ما فعله أن منع مناوراته العسكرية مع كوريا الجنوبية.
بمعنى آخر، وبالورقة والقلم كما يقولون، نجد أن كوريا الشمالية قد دخلت إلى بيت الطاعة الأمريكى، راضية مرضية، ولم تحصل على أى شىء من واشنطن، اللهم إلا الوعود بلقاءات بين رجال السياسة من الجانبين، ودعوة لزيارة واشنطن فرح بها كيم أون كطفل.. أما الشعب الكورى الشمالى الذى كان يرفع شعار «وجبة واحدة بدلاً من وجبتين»، ليكون على مستوى التحدى مع أمريكا فلم يحصل على أى شىء، اللهم إلا مجموعة من الوعود.
السؤال الآن: ما سر تسليم كوريا الشمالية نفسها تسليم مفتاح مثلما يُقال فى دنيا العقارات لأمريكا وقيام كيم أون بتدمير قواعده العسكرية إرضاءً للرئيس ترامب دون أن يبالى بأن كوريا الشمالية التى كانت تعظمها شعوب العالم الثالث انهارت صورتها تماماً، وأصبحت تطلب ود الرئيس ترامب مهما كانت الأسباب والنتائج.
باختصار، لقد كان موقف كوريا الشمالية غير واضح، فمن تحدٍّ بلغ عنان السماء وكاد يُفجّر حرباً عالمية ثالثة، إلى صورة قط أليف يصبح بين يوم وليلة برداً وسلاماً على واشنطن.
ليس من شك فى أن واشنطن وبيونج يانج يخفيان سراً هو الذى يحكم العلاقات الدولية العالمية حتى اليوم. فالحق أن كوريا الشمالية خرجت من إطار الدولة المارقة التى كانت تُعادى أمريكا ولا تخشى بأسها إلى دولة مستأنسة، تعيش كغيرها فى ركن هادئ داخل بيت الطاعة الأمريكى، وقد تكشف لنا الأيام القادمة ما أغفله الزمن حيناً من الدهر!
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع